للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثّالثة (١):

أدخلَ مالك (٢) في هذا الباب حديث أَبِي هُرَيرَةَ: "لا يُمنَعُ فَضلُ المَاءِ لِيُمنَعَ بِهِ الكَلأُ" وتردّد قولُه في: "نَقع البئرِ" فتارةً منَعهُ، وقال: لا يجوزُ، وهو في "المجموعة" وبه قال أبو حنيفة (٣). وتارةً كَرِهَهُ، وبه قال الشّافعيّ (٤)، واختار الكراهيةَ ابنُ القاسم.

وهذا إنّما يكون في بِئرٍ لا تُحفَرُ في مِلكٍ. ومن كَرِهَ بيعَها حَمَلَهُ على النَّدْبِ والآداب.

والصحيحُ عندي من هذا الاختلاف كله، أنّه يجب عليه إعطاءُ الفَضلِ. فإذا ثبتَ هذا، فلا يجوزُ حينئذٍ بيعُه؛ لأنّ المَبِيعَ حينئذٍ يكونُ مجهولًا.

فإن قيل: لم مُنِعَت هاجَرُ؟

قلنا: لأنّ الله ملَّكَها الماءَ والموضعَ، واختطّهُ لها جبريلُ -عليه السّلام-، وجعلَها أرضًا مبارَكَةً مملكةً موروثةً، مقدِّمةً لخير البَريَّة محمّدًا وأمّته. والفروعُ عليه كثيرة جدًّا.

وقوله: "لا يُمنَعُ فَضلُ الماءِ لِيُمْنَعَ بِه الكلأُ" يقتضي النَّهيَ عن الذَّرَائِعِ (٥).


(١) انظرها في القبس: ٣/ ٩٢٧ - ٩٢٨.
(٢) في الموطَّأ الحديث (٢١٦٩) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (٢٩٠٠)، وسويد (٢٨٠)، وابن القاسم (٣٥٥)، والقعنبي عند الجوهري (٥٥٦)، والشّافعيُّّ في سننه: ٣٨٥، ومسنده: ٣٨٢، والتنيسي، وابن أبي أويس، عند البخاريّ (٢٣٥٣، ٦٩٦٢)، ويحيى بن يحيى النيسابوري عند مسلم (١٥٦٦)، وابن بكير عند البيهقي؛ ٦/ ١٥١.
(٣) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ١٤٠.
(٤) انظر الحاوي الكبير: ٧/ ٤٨٨.
(٥) هذا الشرح مقتبس من المنتقى: ٦/ ٣٧ ومعناه: أنّ من منع فضل الماء لتسبّب به إلى منع الكلأ المباح لا يقدر على رَعْيه من منع فضل الماء، والمانع فيما يحتاج إليه من الماء يقصد غالبًا الانفراد بالكلأ فمنع من ذلك، ووجب على هذا على أصل مالك وأصحابه في الذّرائع أنّ يمنع منه من قصد الكلأ ومن لم يقصده.

<<  <  ج: ص:  >  >>