للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو حنيفةَ (١): الكفالةُ في الحدود مشروعةٌ لأجل ذلك، وقد اعتَضَدَ ذلكَ بعمل الخليفةِ عمرَ حين قال في الحديث المعروف: "وَكَفِّلهُم عَشَائِرَهُمْ" (٢).

وقال سائرُ العلّماءِ: الكفالةُ مشروعةٌ إلّا في الحدودِ.

وليس لهم في ذلك حجّةٌ؛ لأنّهم يزعُمُونَ أنّ الكفاللهَ في البَدَنِ ليس لها تعلُّقٌ بالمالِ، ويقول مالك: إنَّ لها بالمال تعلُّقًا بَدَلًا عن البدَنِ إذا أُطْلِقَ، ولم يقل: ليست من المال في شيءٍ، ولو قال: لم يكن في ذلك حجّةٌ؛ لأنّ المال لو كان لازمًا في كفالةِ البَدَنِ لما جاز استئناؤه منه.

وفائدةُ الكفالةِ أمران:

١ - إمّا إحضارُ المُطَالَبِ ليتكلّم عن نفسه أو يؤدِّي ما عليه.

٢ - وإما قضاءُ ما عليه من المالِ.

فيُتَصَوَّرُ في الحدود أحدُ المعنيينِ، فصارَ المذهبُ العراقيّ أقوى من المالكيّ.

الحُكمُ الثَّالثَ عَشَرَ:

لم يَسجُنْ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - الزَّاني حتَّى أقام الحدَّ عليه، واختلف العلماء في ذلك

على قولين:

١ - أحدُهما: أنّه يجوزُ له الرُّجوعُ، فلأيِّ فائدةٍ يُسجَنُ، إنّما تَمَادَى على إقراره ليسترجِع أو لينزعَ، فإن نَزَعَ فلا يُتبَعُ.

٢ - وقيل: إنّما لم يُسجَن لأنّ المدينَةَ كلَّها سِجنًا له، لم يكن للإسلام مستقرٌّ سواها فَيُخَافُ أنّ يختلِطَ المسجونُ بغيرِه.

والتأويلُ الأوَّل أقوى.


(١) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٤/ ٢٥٣، والمبسوط: ١٩/ ١١٦.
(٢) أورده تعليقًا البخاريّ (٢٢٩٠) من قول جرير والأشعث؛ قالا لابن مسعود في المرتدين: "استتبهم وَكَفِّلْهُم، فتابوا وكَفَلَهُم عشائرِهُم". وانظر تعليق التعليق: ٣/ ٢٩٠، والبيهقي: ٦/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>