للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف النَّاس في السِّجنِ هل هو قديم أو محدَثٌ:

فقيل: أوَّلُ من أحدثه بنو إسماعيل كانوا إذا جنى أحد شيئًا أمسكوه (١).

وقيل: إنّه قديمٌ على ما بينّاه في سورة يوسف (٢).

الحكم الرّابع عشر:

قال الشّافعيّ وغيرُه: التوبةُ تُسقِطُ الحدَّ (٣)، لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} الآية (٤). ولأنّ الأُمَّةَ أَجمَعت على أنّ التّائبَ من الذّنبِ كمن لا ذنبَ له.

وقال سائرُ العلّماءَ: لا تُسقِطُ التّوبةُ الحدَّ؛ لأنّ النَّبىَّ - صلّى الله عليه وسلم - حدَّ مَنْ تَحَقَّقنَا تَوبَتَهُ بِخَبرِهِ حين قال عنها: "إِنَّهَا تَابَت تَوبَةً لَوْ قُسِمَت عَلَى أَهلِ المَدِينَةِ لَكَفَتهُم" (٥) وهذا نصٌّ.

وقولُه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} الآية (٦)، نصٌّ في تلك النّازلة مخصوصٌ بها للمصلحة. فإنّ المرتفعَ في الجبل لو عَلِمَ أنَّ توبتَهُ لا تُقبَل لَغَمَّهُ ذلك ولم ينزل، فَشُرِعَت التّوبةُ استنزالًا له عن حَالِهِ، ورجاءً في إقلاعه ممّا هو فيه.

توفية ومزيد إيضاح:

قد بَيَّنَّا شروطَ الرَّجمِ، وذكرنا أنّ الإحصانَ من أوَّل شُروطِهِ وأولاها، وذكرنا الإِسلامَ وهو شرطٌ في صحّةِ الإحصانِ؛ فإنّه لا إحصانَ لمن لا إسلامَ له، إذ الإحصانُ كمالٌ وفضيلةٌ، ولا فضيلةَ مع الكفرِ.

فإن قيل: قَد رجمَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - اليهُودِيَين.

قلنا: إنّما فعل ذلك لإقامةَ الحُجَّةِ عليهم من كتمان ذِكْرِهِ في التّوراة.


(١) يقول السيوطيّ في الوسائل إلى معرفة الأوائل: ٦٧ "أوَّلُ من سن الأمر والحبس نمرود ... وأوّل من بني السّجن في الإسلام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وكانت الخلفاء قبله يحبسون في الآبار. رأيتُه في "الشّواهد الكبرى" للعيني".
(٢) انظر أحكام القرآن ٣/ ١٠٨٥ - ١٠٨٩ ولم يتكلم المؤلِّف في هذا الموضع على مسألة السجن أقديم هو أم محدث، فلعلّه أفاض في الحديث في "أنوار الفجر".
(٣) في الأم: ٧/ ٥٦ (ط. النجار)، وانظر الوسيط: ٦/ ٤٩٩.
(٤) المائدة ٣٤.
(٥) سبق تخريجه.
(٦) المائدة: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>