للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فكيف يُقيمُ الحُجَّةَ عليهم بما لا يراه حقًّا، وهو قد قيل له: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (١)، وليس من القِسطِ أنّ يُرجَمَ الكافرُ، وعلى هذا عوَّلَ الأيِمَّةُ من أصحابِ الشّافعيِّ بأنّ الإِسلامَ لا يُشتَرَطُ في الإحصانِ (٢).

قلنا: مَنْ فهِمَ مساقَ المسألةِ عَلِمَ وَجهَ الحُجَّةِ، وصورتُها: أنّ اليهودِيَينِ زَنَيَا، فلو شاء اليهوديُّ لما جاء إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، لأنّه لم يكن له حكمٌ عليهم بالشَّرطِ الّذي شَرَطَ لهم، ولكنّهم قالوا نمشي إليه حتّى نعلم حاله في الرَّجم، فإن حَكَمَ به فهو نبيٌّ، وإن مَرَّضَ (٣) فيه فهو مُحتَالٌ. فلما مَثَلُوا بين يَدَيْه وسَرَدُوا عليه القصّةَ، فَهِمَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - الغَرَضَ، فقال: "أَنشُدُكُما الله، هل تجدونَ الرَّجْمَ في التّوراة؟ " قالوا: لا، قال: "فأتُوا بالتّوراةِ فاتلُوها"، فجاؤا بها، فوضَعَ أحدُهُم يَدَهُ على آيةِ الرّجم، وجعَلَ يقرأُ ما قبلَها وما بعدَها، فقال عبدُ الله بنُ سَلَامٍ: يَرفَعُ يَدَهُ، فإنّ آية الرَّجْم تَحتَ موضِعِ يَدِهِ، فرفَعَ يدَهُ فإذا آيةُ الرَّجْم تلوحُ، فقال: "ما حَمَلَكُم على ترك الرَّجم"، فذكر الحديث إلى آخره (٤).

فإن قيل: فلم اسْتَدعَى شُهُودَ اليهودِ؟

قيل: حتّى تقومَ الحُجَّةُ عليهم من قِبَلِ أنفُسِهم، فلا يقولون: عَجِلَ علينا محمّدٌ. فتبيّن عند عامّة اليهود على يدَي النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّ علماءهم في صِفَةِ من يَكتُمُ الحقَّ في كتابِ اللهِ، حتّى يُكَذِّبوهم في قولِهم: ليس ذكرُ محمّدٍ في التّوراة، فإذا لاحتِ الحقائقُ فَليَقُل المُتَعصِّبُ بعدَها ما شاءَ.

تكملة من العارضة (٥):

بوَّبَ أبو عيسى التّرمذيّ (٦): "باب رجم أهل الكتاب".

قال الإمام: جاء اليهودُ إلى النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - مُحَكِّمِينَ له في الظَّاهرِ، ومُختَبِرِينَ لحَالِهِ في


(١) المائدة: ٤٨.
(٢) نظر الحاوي الكبير: ١٣/ ٢٥١.
(٣) أي قصَّرَ في الأمر ولم يُحكِمْهُ.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) انظرها في العارضة: ٦/ ٢١٦ - ٢١٧.
(٦) في جامعه الكبير: ٣/ ١٠٦ بلفظ: "باب ما جاء في رجم ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>