للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثّالثة (١):

وأمّا قولُ عمر لعبد الله بن عيَّاش: "أأَنتَ القَائِلُ: لَمَكَّةُ خَيرٌ مِنَ المَدِينَةِ": فقد ظَنَّ قومٌ (٢) أنّ ذلك حُجَّةٌ في تفضيل المدينة على مكّة؛ لأنّ ظاهر قول عمر توبيخه على ذلك، وليس ذلك عندي ممّا يدلُّ على أنَّ المدينة أفضل من مكّة.

وأيضًا: فإن لفظ "خَير"، ليس بمعنى أفضل؛ وممّا يُقوِّي هذا ما رُويَ أنّ عقيل بن أبي طالب- وكان أحد الفُصَحَاءِ- لمّا أعطاهُ معاويةُ عَطاءَ جَزلًا، قال له: من خيرٌ لك أنا أو أخوك؟ فقال: أنت خيرٌ لي من أخي، وأخي خيرٌ لنفسه منك، ومعلومٌ أنّ أخاه عليَّ ابنَ أبي طالب كان عنده أفضلَ أهل زمانه، ولكنّ معاويةَ كان خيرًا له في دنياه.

الرّابعة (٣):

أمّا مالك فلم يختلف عنه أصحابُهُ في أنّ المدينةَ أفضلُ من مكّةَ ومن سائر البلاد، وكان يقول: هي ممّا خص الله بهِ نبيّه من سكنى المدينة، وما خصّها الله به من الخير، أنّها محفوفةٌ بالشهداءِ وعلى أنقابها الملائكةُ، لا يدخلُها الطّاعونُ ولا الدَّجَّالُ، وهي دارُ الهجرةِ والسُنَّةِ، وبها كان ينزل الوحيُ بالفرائضِ والأحكامِ، وبها خِيَارُ النّاسِ بعد رسولِ الله - صلّى الله عليه وسلم -، واختارها الله لنبيِّهِ في حياته وبعد مماته، فجعل بها قبره، وبها روضةٌ من رياضِ الجنَّةِ.

قال الإمام: وما احتجّ به مالك ليس هو مسألة إجماع، لما ورد أيضًا في فضلِ مكّة وما خصّها الله به من البيتِ وأنّها قبلة للعالَمِين.

وأيضًا: فإنّ خصائص النَّبيِّ -عليه السّلام- منها ما هو موقوفٌ عليه في حياته لا بعد مماته، وهو أكثر، والَّذي خُصَّ به رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - ثمانية وعشرون خصلة:

الأولى: خصَّهُ بسُكنَى المدينةِ، وذَكَرَها في القرآن كما ذكر مكّة، فقال: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ} الآية (٤).


(١) هذ. الفائدةُ مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ٦٤ - ٦٦ بتصرّف.
(٢) منهم القنازعي في تفسير الموطَّأ: الورقة ٢٨٥.
(٣) الفقرة الأولى من هذه الفائدةُ مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ٦٦.
(٤) التوبة: ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>