للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: لأنك تحتاج إليَّ ولا أحتاجُ إليكَ.

وَوَصَّى حكيمٌ ابنه فقال له: رزقك الله جَدَّا يخدمك به ذو العقول، ولا رزقك الله عقلًا يخدمك به ذو الجُدُودِ.

وكان يقال: إفراطُ العقلِ مُضِرٌّ بالجَدِّ.

وُيرْوَى أنّ رَجُلًا خُيِّرَ في أمرٍ فَأَبَى أنّ يختار، وقال: إنِّي بِجَدِّي أوثق منّي بعقلي. وقال سهل: الخيرُ من الله أمرٌ، والشَرُّ منه نهيٌ، والله أوْلَى بالخير أنّ يُنْسَبَ إليه، ونحن أَوْلَى بالشَّرِّ أنّ يُنْسَبَ إلينا، والشَّرُّ منه وبه وليس إليه، والخيرُ منه وبه وإليه.

وقال (١): العلّمُ والكتابُ والقضاءُ والقَدَرُ، والعلّم أقدم من الكتاب، ثمّ القضاء، ثمّ القَدَرُ، ولا يخرجُ الخَلقُ من القَدَرِ، والعِلم أصلٌ لا يخرج منه أحدٌ، والكتابُ يمحو ما يشاء ويثبت، والقضاء هو الحُكمُ الّذي يثبت، والقَدَرُ إظهارُهُ في الخَلقِ.

وسئل (٢) عن القَدَرِ فغضب، فقال: إنَّ الله عالم بالأصل لا يُنسَب إلى جهلٍ، عادلٌ في الفرع لا يُنسَب إلى جَورٍ، كلُّ الخَلق فقيرٌ إليه، لا يستغنى عنه طرفة عين، فالفرارُ منه إليه، فإنّ الهارب من المقدور كالمتَقَلِّب في يد الطّالب.

ومن ذلك ما وقع إلينا من لطائف مجرى القضاء والقَدَرِ ما جرى بمدينة إسكندرية، وذلك أنّ رجلًا من خَدَمَةِ السُّلطان أَخَلَّ بخدمته وغاب أيامًا، ثمّ ظَفِرَ به غُرَماؤه فقادوه إلى السُّلطان، فخشى من سَطوَتِهِ، فبينما هم يقتادونه إذ مرّ على بئرٍ على شارع الطّريق، فانساب من بينهم وترامَى في البئر. ولهذه المدينة تحت الأرض سَرَبٌ يسيرُ الرَّجلُ فيه قائمًا من أوّلها إلى آخرها، فما زال هذا الرَّجل يمشي في نَفَقٍ تحت الأرض، إلى أنّ وجد بئرًا صاعدًا فتعلّق بها. فإذا البئر في قصر السُّلطان، فلم يستفق أهل الدَّار إِلَّا والرَّجُل قد طلع عليهم من البئر، فقبض عليه السُّلطان وأراد به، فَفَرَّ بزعمِهِ من قُدرةِ


(١) القائل هو سهل.
(٢) المسؤول هو سهل بن عبد الله التُسْتُرِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>