للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعَم. فَقَالَ: أَتَلُومُنِي في شَيءٍ سَبَقَ مِنَ الله فِيهِ القَضَاءُ قَبلُ؟ قَالَ عِندَ ذَلِكَ رسولُ

الله - صلّى الله عليه وسلم -: "فحَجَّ آدَمُ مُوسَى".

قال أبو عمر (١): "هذا الحديث صحيح عند جماعة أهل العلم من جهة الإسناد، وكلّهم يرويه ويقرُّ بِصحًتِهِ. ويحتَجُّ به أهلُ الحديثِ والفقهِ، وهم أهلُ السُّنَّةِ في إثبات قِدَمِ علم الله. وسواء منهم من قال: خبرُ الواحدِ يُوجبُ العملَ دون العلّمِ، ومن قال: بل يُوجبُ العلّمَ والعملَ، كلُّهم يحتج به فيما ذكرنا؛ لأنّه خبرٌ جاء مجيئًا متواترًا فاشيًا.

وأمّا أهلُ الباع فَيُنكرونَه، ويتعرَّضون فيه بضروبٍ من القول، كرهتُ ذِكْرَ ذلك؛ لأنَّ كتابنا كتاب سُنَّةٍ واتباع، لا كتاب جَدلٍ وابتداع".

الأصول (٢):

قال علماؤنا (٣): في هذا الحديث دليلٌ على أنّ الله قد سبق في عِلمِهِ ما يَكونُ، وأنّه في كتابٍ مسطورٍ، وجرى القلمُ فيه بما يكون إلى آخر الأَبَدِ، وأنَّ علمه قديم وأنّ العباد لا يعملون إِلَّا فيما قد عَلِمَهُ الله وقَضَى به وقَدَّرهُ. وفيه إثبات المشيئة لله سبحانه.

الثّانية (٤):

قوله: "أفَتَلُومُنِي عَلَى أَمرٍ قد قُدِّرَ عَلَيَّ" فهذا خصوصٌ لآدم -عليه السّلام-؛ لأنّ ذلك إنّما كان منه ومن مُوسَى بعد أنّ تِيبَ على آدم (٥)، وبعد أنّ تلقَّى من رَبِّه كلمات فتاب عليه من ذنبه في أكل الشّجرة.

وقد أجمع العلّماءُ على أنّه غيرُ جائزٍ لأحد إذا أنّ ما نهى الله عنه أو حرَّمهُ عليه أنّ يحتجَّ بمثلِ هذا، فيقول: أفتلومني على أنّ قتلتُ وقد سبق في عِلمِ الله أنّ أقتُلَ! وتلومني


(١) في الاستذكار: ٢٦/ ٨٣.
(٢) كلامه في الأصول مفتبس من الاستذكار: ٨٥ ما عدا الجملة الأخيرة، وتعدّ هذه الفقرة الفائدةُ الأولى من الفوائد المستنبطة من الحديث.
(٣) المراد هو الإمام ابن عد البرّ.
(٤) هذه الفائدةُ مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ٨٨.
(٥) ذكره ابن وهب عن مالك: نصّ على ذلك ابن عد البرّ في التمهيد: ١٨/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>