للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنّ أسرِقَ وأزني وأَجُور وقد سبق ذلك في علم الله وقَدَرِهِ. هذا ما لا يسوغُ لأحدٍ أنّ يجعلَهُ حُجَّةً لنفسه.

والأُمَّةُ مجتمعةٌ على أنّه جائزٌ لوم من أَتَى ما يلامُ عليه من معاصي الله وذمّه على ذلك، كما أنّهم مُجمِعُون على حَمْدِ من أطَاعَ، وأَتى من الأمور المحمودة ما يُحمَدُ عليه.

الثّالثة (١):

والتقاءُ آدمَ وموسَى يمكن أنّ يكون كما قال ابنُ وهبٍ: أنّ يُرِيَهُ الله إيّاه وهو حيٌّ، والصّحيح (٢) أنّ يكون إنّما التقت أرواحهُما وهي الحياة الأَبَدِيَّة، وعَلِمَ ذلك رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - بما يعلمُ به خبرَ السّماءِ في غير ذلك. وهذا ومِثلُهُ ممّا لا يطاقُ فيه على التَّكييف، وإنّما فيه التّصديق والتّسليم.

الرّابعة:

قولُه: "فَحاجَّ آدَمُ مُوسَى" (٣) قيل: إنَّ من هذا الحديث يخرجُ أنّ الجدال والحجاج مباحٌ (٤)، وهي مسألة خلاف.

فإن قلت (٥): فعلم الجدل والكلام مذمومٌ كعلم النّجوم، أو مباح أو مندوب؟

فاعلم أنّ في هذا للناس غُلُوًّا وإسرافًا، فمن قائل: إنّه بدعةٌ وحرامٌ، وإنّ العبدَ إِن لَقِيَ الله بِكُلِّ ذنبٍ سوى الشّرك خيرٌ له من أنّ يلقاهُ بالكلام.


(١) هذه الفائدةُ مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ٨٨ - ٨٩.
(٢) قوله: "والصّحيح " من إضافات المؤلِّف على نصِّ الاستذكار.
(٣) يقول المؤلِّف في العارضة: ٨/ ٢٩٧ "تحقيقه: أنّ موسى لام آدم على ما فعل، وأنَّ ذلك موضع الملامة، إِلَّا أنّ موسى خَفِيَ عليه أو نَسِيَ أنّ التّائب لا يُعاقَب ولا يُعاتَب".
(٤) يقول القنازعي في تفسير الموطَّأ: الورقة ٢٨٧ "وفي هذا الحديث من الفقه: إباحة المناظرة في أصول الديانة وإقامة الدّليل على الصّحيح منها".
(٥) من هنا إلى قوله: "إذا ذكر القدر فأمسكوا" مقتبس من إحياء علوم الدِّين: ١/ ١٦٣ - ١٦٥ (ط. الثقافة الإِسلامية).

<<  <  ج: ص:  >  >>