للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوَّزَهُ القاضي أبو بكر بن الطَّيِّب الباقّلانيّ (١) وجمهورُ أصحابهِ (٢)، وقالوا (٣): قد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قادرًا على أنّ يُبَيِّنَ للسائل ميقات تلك الصّلاة وسائر الصّلوات بقوله في مجلسه ذلك، ولكنّه أخَّر ذلك ليبيِّنَه عملًا وقولًا وفعلًا (٤).

ولذلك قال علماؤنا (٥): "قد يكونُ البيانُ بالفعل -فيما سبيلُه العَمَلُ- أثبتَ في النّفوسِ من القولِ، دليلُه قوله -عليه السلام-: "لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ" رواه ابنُ عبْاسٍ عنه (٦)، ولم يَرْوِهِ غيرُه".

ووقتُ الخطابِ بالصّلاةِ وبيان أحكامها وأوقاتها قَد تقدَّمَ قبل السُّؤال؛ لأنّه لم يسأل إلَّا عن عبادةٍ ثابتةٍ، ولم يختَلِفْ أحدٌ في أنَّ للنَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنّ يؤخِّر جواب السّائل، وقد فعَلَ ذلك في أشياء كثيرةٍ، وقد تكلَّم العلماءُ في تأخير جوابِ السّائلِ، وما في ذلك من التغريرِ بفوَتِ العِلْمِ، لجوَازِ أنّ يكونَ السّائلُ قد ماتَ قبْلَ وَقْتِ التّعليمِ الّذي أُخِّر إليه.

والجوابُ هو: أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنما حملَ ذلك على العادةِ واسْتِصْحَابِ الحَالِ (٧).

وأيضًا: فإنّ الظّاهر من هذا الحديث أنّه سأل من بعد صلاة الصّبح من يوم سؤاله؛ لأنّه بدأَ بتعلِيمِهِ من صلاة الصُّبحِ من الغَدِ، فلم يتخلّل بين وقتِ السُّؤال ووَقْتِّ التَّعَلُّمِ وقت صلاة يخافُ عليه فيها الجَهْل بالوَقْت. وعلى قولنا: إنّه سأل عن تحديد الوقت، فالأمرُ أسهل، ووجه جَوَازِ التأخيرِ أبين، ولو مات السائلُ قبلَ وقتِ التّعليمِ، لكان قد


(١) في التقريب والإرشاد: ٣/ ٣٨٦.
(٢) انظر إحكام الفصول للباجي: ٣٠٣، والجر المحيط: ٣/ ٤٩٣.
(٣) الفقرة التالية مقتبسة من التمهيد: ٤/ ٣٣٤
(٤) الّذي في التمهيد: ٤/ ٣٣٤ "ولكنه أخر ذلك ليبيِّن ذلك له عملًا".
(٥) المقصود هو الإمام ابن عبد البر في الاستذكار: ١/ ٤٩ (ط. القاهرة) والفقرة التي بين مزدوجتبن مقتبسة منه.
(٦) رواه أحمد: ١/ ٢١٥، وابن حبان (٦٢١٣)، والطبراني في الأوسط (٦٩٤٣)، والحاكم: ٢/ ٣٥١ (ط. عطا) وصححه، قال الهيثمي في المجمع: ١/ ١٥٣ "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات".
(٧) أي استصحاب حال السّلامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>