للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا تركُ الصّلاةِ عليهم جملةً إذا ماتوا، فلا، بل السُّنَّةُ المجتمعُ عليها أنّ يُصَلَّى على كلِّ من قال: لا إله إِلَّا الله محمّدٌ رسول الله، مبتدعًا كان أو مرتكبًا للكبائر، ولا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار وأيمّة الفتوى يقول في ذلك بقول ظاهر مالك (١).

وأمّا شهادتهم، فإنّ مالكًا شَذَّ في ذلك، إِلَّا ابنَ حنبل فإنّه قال: ما تُعجِبُنِي شهادةُ الجهمّية، والرّافضةِ، ولا القَدَرِيَّةِ، قال إسحاقُ: وكذلك كلُّ صاحِبِ بدعةٍ.

وهذه المسألة انفرد بها مالك، وجماعةُ الفقهاء أبو حنيفة (٢) والشّافعيّ وأصحابهما والثوريّ والطّبريّ وسائر من تكلّم في الفقه إِلَّا مالكًا وطائفة من أصحابه، على قَبُولِ شهادة أهل البدع القَدَرِيَّة وغيرهم إذا كانوا عُدُولًا لا يَستَحِلُّونَ الزُّورَ، ولا يَشهدُ بعضُهُم على تصديق بعضٍ في خَبَرِهِ ويمينه كما تَصنَعُ الخطّابيّةُ (٣).

وقال الشّافعيُّ: وشهادةُ من يَرَى إنفاذَ الوعيدِ في دُخولِ النَّارِ على الذَّنبِ إنَّ لم يَتُب منه، أَولَى بالقَبُولِ من شهادةِ من يستخِفُّ بالذُّنوبِ (٤).

قال أبو عمر (٥): "كلُّ من يجيزُ شهادتَهُم لا يرى استتابتَهُم ولا عَرضَهُمْ على


(١) يقول المؤلِّف في أحكام القرآن: ١/ ٢٩٤ "وإذا حكمنا بكفرهم، فقد قال مالك: لا يصلّى على موتاهم، ولا تعاد مرضاهم. قال سحنون: أدبًا لهم. قال بعض النَّاس: وهذه إشارة من سحنون إلى أنّه لا يكفرهم. [قال ابن العربي]: وليس كما زعم؛ فإنّ الكافر من أهل الأهواء يجب قَتلُه؛ فإذا لم تسطع قتلَهُ وجب عليك هِجرَته، فلا تسلِّم عليه، ولا تَعُدهُ في مرضه، ولا تصلِّ عليه إذا مات، حتّى تلجئه إلى اعتقاد الحقِّ، ويتأدّب بذلك غيرُهُ من الخَلق، فكأنّ سحنون قال: إذا لم تَقدِر على قتله فأدِّبه". ويقول في موضع آخر: ٢/ ٨٠٢ "ومن قال من أصحابنا: إنَّ ذلك أدبًا لهم، وليسوا بكفَّار ... فذلك لضعف معرفته بالأصول، فلا يناكحوا، ولا يصلَّى عليهم، فإن خيف عليهم الضَّيعَةَ دُفِنُوا كما يُدفَنُ الكلبُ". وانظر البيان والتحصيل: ١٨/ ٤٨٦ - ٤٤٨.
(٢) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣٣٤، والمبسوط: ١٦/ ١٣٢.
(٣) يقول البغدادي في الفرق بين الفرق: ٥٤٧ (ط. محيي الدِّين) "والخَطَابيَة يرَوْنَ شهادةَ الزّور لموافقيهم على مخالفيهم" هي فرقة غالية، من أصحاب أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأسدي، الّذي زعم أنّ الأيمّة أنبياء، ثمّ آلهة، وقد كفّرها العلماء، انظر: التنبيه والرّدّ للملطي: ١٦٢، والملّل والنحل: ١/ ٣٨٠ - ٣٨٢.
(٤) انظر الحاوي: ١٧/ ١٦٨.
(٥) في الاستذكار: ٢٦/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>