للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقوله -عليه السّلام-: "قمتُ على باب الجنَّةِ فإذا عامّةُ من يدخلُها الفقراءُ، وإذا أصحاب الجَدِّ محبوسونَ" (١) يعني أصحاب الغنى، وقد رُوِيَ هذا الحديث بكسر الجيم، وكان ابنُ حبيب يقول: "لا يجوز فيه إِلَّا الكسر، وهو الاجتهاد"، قال: "والمعنى: أنَّه لا ينفع أحدًا في طلب الرِّزق اجتهادُهُ، وإنّما له ما قَسَم الله له منه، وليس الرِّزقُ على قَدرِ الاجتهادِ، ولكنَّ الله يُعطي من يشاءُ ويمنعُ من يشاء" (٢). وهو أيضًا وجهٌ حَسَنٌ محصّلٌ غير مدفوع، والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك.

حديث مالك (٣)؛ أنّهُ بلغه أنَّه كان يقال: الحَمدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ كَمَا يَنبَغِي، الَّذِي لا يُعجِلُ شَيْءٌ إِنَاهُ وَقَدَرَهُ، حَسبِيَ الله وَكَفَى، سَمِعَ الله لِمَن دَعَا، لَيْسَ وَرَاءَ الله مَرمَى.

الإسناد (٤):

هكذا رواه يحيى وطائفة من رواة "الموطَّأ": " يَعجَلُ شَيءٌ (٥) إنَاهُ وقَدَرَهُ" كأنّه يقول: الحمد لله الّذي قضى بألّا يتقدَّمَ شيءٌ وقتَهُ وحِينَهُ الّذي قَدَّرَهُ فيه، أو قُدِّرَ له، وإِنَاءُ الشيءِ: وقْتُه وحينُه، بدليل قوله: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} (٦) أي: وقته وحينه.

ورواه القَعنَبِىُّ: "الذِي لَم يُعَجِّل شَيئًا اَنَاهُ وَقَدَّرَهُ" وَرَوَتهُ هكذا أيضًا طائفةٌ (٧)،


(١) أخرجه البخاريّ (٥١٩٦)، ومسلم (٢٧٣٦) من حديث أسامة.
(٢) الّذي وجدناه في تفسير غريب الموطَّأ: الورقة ١٤٩ قوله "قال عبد الملك: هو الجِدُّ -بكسر الجيم- وهو من جدّ الاجتهاد، ومعناه: لا ينفع ذا الاجتهاد من الله اجتهادُه في الهرب منه، ولا في الطّلب لما لم يقسم له. وقد خالف العراقيون في شرح ذلك، وزعموا أنّه بفتح الجيم، فذهب به بعضهم إلى جدّ البخت، إِلَّا أنّ المجدود والمحظوظ لا ينفعه جدّه ولا حظّه من الله شيئًا. وبعضهم ذهب إلى جدّ الرِّزق والغنى، إِلَّا أنّ الغنى والرزق لا ينفع من الله شيئًا"، وانظر: المنتقى: ٧/ ٢٠٨.
(٣) في الموطَّأ (٢٦٢٤) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٨٧٩).
(٤) كلامه في الإسناد مقتبس من الاستذكار: ٢٦/ ١٠٩.
(٥) هكذا مرفوعًا، فيجوز في يعجل أنّ يكون بفتح الياء وفتح الجيم مضارع "عجل" وهو لازم غير
متعدّ. انظر كشف المغطَّى: ٣٤٢.
(٦) الأحزاب: ٥٣.
(٧) انظر التمهيد: ٢٤/ ٤٤٠ - ٤٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>