للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى فيه: أنّ الله لا يُعَجِّلُ ما قَضَى بتأخيره، ولا يُؤخِّر ما قَضَى بتعجيله، وكُلُّ على ما سَبَقَ في عِلمِهِ.

والأناءُ والأناةُ في اللُّغة: التّأخير. قال الحُطَيئَة (١):

وَآنيتُ العَشَاءَ إلى سُهَيلٍ ... أَوِ الشِّعرَى فَطَالَ بِيَ الأَنَاءُ

التّرجمة:

قال الإمام: إنّما أدخل مالك هذا الحديث حجّة على القَدريَّة لقولهم: إنَّ للإنسان أنّ يعجلَ ما أراد عن وقته، وهو أَولَى؛ لأنّ فيه الحُجَّة عليهم.

وأمّا قوله: "لم يعجل" معناه: أنّ الله لم يعجل شيئًا، ونحن نعرف ذلك، فلا حُجَّةَ علينا فيه. وأكثر الرّواة يروونه بفتح الجيم: "لم يعْجَل" فتقوم الحجّة عليهم من وجهين.

وكذلك أدخل حديث: "لَا تَسأَلِ المَرْأَةُ طَلَاقَ أُختِهَا إلى قوله: ما قُدِّرَ لَهَا" (٢) ردًّا على القَدَريَّةِ؟ لأنّهم يقولون: إنَّ الأرزاق قد قسمها الله، لكنّ القويّ يغلب الضّعيف فيأخذ رزقه.

وكذلك أيضًا فعل مالك في الباب الّذي قبله (٣) في إدخاله الحديث قوله: "لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكتُم بِهِمَا: كِتَابَ الله وَسُنَّةَ رَسُولِهِ" فيه ردٌّ على القدريّة؛ لأنّ القدريّةَ تقول: لا نأخذ إِلَّا بكتاب الله؛ لأنّ الحديث يكشفهم، إذ هو وحيٌ وتفسيرٌ للقرآن.

وقوله: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} الآية (٤)، ردٌّ عليهم، أي: لا يقدرون إِلَّا على ما قدّره الله عليهم وختم، فلا يدخل مالك حديثًا في بابٍ ويتبعه بآخر إِلَّا لمعنى بديع لا يتنبه لذلك إِلَّا فحول العلماء.


(١) في ديوانه: ٩٨ من قصيدة مطلعها:
ألَّا أَبْلِغْ بني عَوفِ بنِ كَعْبٍ ... فهل قومٌ على خُلُقٍ سَوَاءُ
(٢) في الموطَّأ (٢٦٢٢) رواية يحيى.
(٣) في الموطَّأ (٢٦١٨) رواية يحيى.
(٤) الصافات: ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>