للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول (١):

قوله (٢): "الحَمدُ للهِ الذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ كَمَا يَنبَغِي" الحديث إلى آخره، أمّا قوله: "كَمَا يَنْبَغِي" فمعناه: كما يُرادُ، فإن رجَعَ ذلك إلى إرادةِ الخالقِ، فكذلك كانَ، وان رجَعَ إلى إرادةِ المخلوقِ، ففيه ما لا يريدُهُ المخلوقُ، وإن أراد غيرَ ذلك من المعنى فالكلمة قَلِقَةٌ وما أظنُّها نَبَوِّيةٌ.

وأمّا قوله: "لَا يَعجَلُ شَيئًا" فقد ضُبطَ على عَشرِ صفاتٍ، أَضبِطُهُ لكم بالتّعجيم لا بحروف المعجَمِ، لئلَّا يَطُولَ، فاضْبِطُوهُ لئلا يَدرُسَ بِمُضِيِّ الزَّمانِ: الّذي لا يُعَجِّلُ شيئًا أَنَاهُ وقدَّره. وتُرَكِّبُوا بعضَها على بعضٍ وتُفَسِّروا "أَنَاهُ" بالاسمِ والفِعلِ، وتُرَكِّبُوهُ فعلًا على "يُعَجِّلُ"، أو يبقَى ظَرْفًا للشّيء على ما هو عليه. فإن قرأتَ: "يُعجَلُ" ببناءِ ما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، والجِيمِ مفتوحةً، كان سَلبًا للخَلقِ عن التَّصرُّفِ بغيرِ حُكمِ الخالقِ.

وان قرأتَ بِضَمِّ الياءِ وخَفضِ الجِيمِ مُشَدَّدَةً، كان إخبارًا على أنّ البارىءَ إنّما يَخلُقُ أفعالَه على قَدرِ عِلمِهِ وقضائه. وإن فتحتَ الياءَ من: "يَعجَلُ" ورَفَعتَ: "شَيئًا" كان نِسبَةً للعَجَلَةِ إلى ذلك الشّيءِ، ويكونُ المعنى: أنّ شيئًا لا يَقدِرُ أنّ يتَعَجَّلَ بنفسه على شيءٍ يخرُجُ به عن قضاءِ ربِّهِ، وذلك كله ردٌّ على القَدَرِيَّةِ الّذين يقولون: إنَّ الخَلقَ بفعالهم يُعَجِّلُونَ الأشياءَ قبلَ وقتِها كالآجال، ويخالِفُونَ مُقَدَّرَها كالطّاعات، وبعضُ هذه الرِّواياتِ أقوى من بعضٍ، وقد بيَّنَّاه في "شرح النَّيِّرَينِ" لُبَابُهُ: أنّك إذا قلت "يُعجِلُ" بضمِّ الياء وإسكانِ العينِ وكَسر الجِيمِ، ونَصَبتَ "شيئًا" على المفعولِ، وقرأتَ "إِناه" بكسر الهمزة أو


(١) انظره في القبس: ٣/ ١٠٩٤. (٤/ ٢٤٨ ط. الأزهري).
(٢) في حديث الموطَّأ (٢٦٢٤) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>