للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "من حُسنِ إِسلَامِ المَرءِ تَركُهُ مَا لَا يَعنِيهِ" (١). فهذه فائدةٌ في سَنَدِ هذا الحديث.

الأصول:

فيه لعلّمائنا تأويلان: أحدهما: قيل: هو فيما لا يجلب به نفعًا ولا يدفعُ به مضرّةً، وهو ممّا لا يعني، وهذا بعيدٌ. وكأنّه أراد أنَّه مَنْ أكثرَ مِن فِعلِ المباحات وقع في المكروهات، ومن وقع في المكروهات خِيفَ عليه الوقوع في المحرّمات، فالعالِمُ يقدرُ أنّ يُثَابَ على كلِّ فعلِ إذا قصد به وجه الله تعالى؛ لأنّه إذا أكل نوى التَّقوية على طاعة الله وابتغاء الحَلَالِ، وإذا لبس قصد ستر العورة، وإذا جامع قصدَ بذلك العِصْمة لنفسه وأهله وغير ذلك. وأمّا من قصدَ من المباحات الشّهوة خاصّة، فلا ثواب له على ذلك، إِلَّا أنّ يقول: أعفّ نفسي عن المحارم.

وفي (٢) هذا الحديث من كلام النُّبوَّة وحكمتها ما لا ينحصر، وهو جامعٌ لمعانِ جَمَّةٍ من الخير.

وفي صُحُفِ إبراهيم: من عَدَّ كلامَهُ من عَمَلِهِ، قَلَّ كلامُه إِلَّا بما يَعْنِيهِ (٣).

وقيل للقمان الحكيم: ألستَ عَندَ بَنِي الحسحاس؟ قال: بلى، قالوا: فما بَلَغَ بك ما ترى؟ قال: صِدقُ الحَدِيثِ، وأَدَاءُ الأمانَةِ، وترك ما لا يعنيني (٤).

وكان محمّد بن عجلان يقول: إنّما الكلامُ أربعةٌ: أنّ تذكُرَ الله، أو تقرأَ القرآنَ، أو


= ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، هكذا متصلة، قال ابن عبد البرّ عن هذين الرِّاوِيَينِ: "وهما جميعًا لا بأس بهما، إِلَّا أنّهما ليسا بالحجة على جماعة رواة الموطَّأ الذين لم يقولوا فيه: عن أبيه".
(١) أخرجه التّرمذيّ (٢٣١٧)، وابن ماجه (٣٩٧٦)، وابن حبّان (٢٢٩)، والطبراني في الأوسط (١٨٨١)، والقضامي في مسند الشهاب (١٩٢)، والبغوي في شرح السُّنَّة (٤١٣٢).
(٢) من هنا إلى آخر الشرح مقتبس من الاستذكار: ٢٦/ ١٢٠.
(٣) أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد: ٩/ ١٩٩، ويروى من كلام عمر بن عبد العزيز كما في سنن الدارمي (٣٠٥).
(٤) أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد: ٩/ ١٩٩ - ٢٠٠، وذكر نحوه مالك في الموطَّأ بلاغًا (٢٨٣٠) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>