للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القاضي أبو محمدٍ (١): "إنّه يجوز أنّ يمشي في النعل الواحد المشي الخفيف إذا كان هنالك عُذرٌ، وهو أنّ يمشي في إحداهما متشاغِلًا بإصلاح الأُخرى وان كان الاختيار أنّ يقف إلى الفراغ منها؛ لأنّه لا يُنسَبُ حينئذٍ إلى شيءٍ ممّا يكره".

وقال بعضهم: لا يمشي أحدٌ في نعلٍ واحدٍ إذا انقطعت الأخرى شِبْرًا واحدًا؛ لأنّه لا يجوز له ذلك، هذا إذا كان عالمًا بالنَّهي، وإذا كان جاهلًا فلا شيءَ عليه غير أنَّه يُنهَى عنه.

حديث مالك (٢)؛ عَنْ أَبِي الزِّنَاد، عَنِ الأَعرَج، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا انتَعَلَ أَحَدُكُم فَليَبدَأ بِاليَمِينِ، وَاِذا نَزع فَليَبدَأ بِالشِّمالِ، وَلتَكُنِ اليُمنَى أَوَّلَهُمَا تُنعَلُ، وَآخِرهُمَا تُنزَعُ".

الحديث صحيح (٣).

الأصول (٤):

قال الإمام: معنى هذا أنّ التَّيامُن مشروعٌ في ابتداء الأعمال واللِّباسِ (٥)، وأنَّ التَّيَاسُرَ مشروعٌ في خَلعِ الملبوسِ وترك العمل، وكان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يُحبُّ التَّيَامُنَ ما استطاع في طهوره وتنعّله وترجّله وشأنّه كلّه.

وقولُه: "وَلتَكُنِ اليُمنَى أَوَّلَهُمَا تُنعَلُ، وَآخِرَهُمَا تُنزَعُ": على معنى إيثار اليمين باللّبس، فتكون أوّلهما تنعل وآخرهما تنزع (٦). فيكون ذلك لتشريف اليمين وتفضيلها على اليسرى بالإكرام.

ومن (٧) تفضيله اليمنى أنّ جعلَها للأكل والشرب، وجعل اليسرى للاستنجاء.


(١) في المعونة: ٣/ ١٧١٠.
(٢) في الموطَّأ (٢٦٦٠) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٩٢٠)، وسويد (٦٩٥)، والقعنبي عند الجوهري (٥٦٣)، وإسحاق بن عيسى الطباع عند أحمد: ٢/ ٤٦٥، وقتيبة بن سعيد، ومُعْن عند التّرمذيّ (١٧٧٩).
(٣) بقول ابن عبد البرّ في التمهيد: ١٨/ ١٨١ "وهذا الحديث صحيح بَيِّنٌ في معناه، كامل حسنٌ مستغنٍ عن القول".
(٤) أغلب كلامه في الأصول مقتبس من المنتقى: ٧/ ٢٢٧.
(٥) "وهو أمرٌ مشروع في جميع الأعمال، لفضل اليمنى على الشمال حِسًّا في القوة والاستعمال، وشرعًا في النّدب إلى تمامها وصيانتها".
(٦) إلى هنا ينتهي النّقل من المنتقى.
(٧) العبارة التالية مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>