للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو قد علم أنّ معناه الوَقَار، ولم يحتج أنّ يدعو الله تعالى أنّ يزيده وقارًا حين علم معناه.

المسألة الخامسة (١):

قوله: "وَقارٌ، قال: يا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا".

قال الإمام: وإنّما جعله وقارًا لأنّه ينبيءُ عن ضعف القوى، ويُذهِبُ بشرة الفُتُوَّةِ والصِّبَا، فتسكنُ الحركات لضَعفِ الشَّهوات، فيكون بشَيْبِهِ السُّكون والوَقَار، وقد قال كبار الصّحابة: إنَّ الله ما شَانَ رسولَه بالشَّيب، ولو كان محمودًا ما خُضَّبَ فإنّه لا يُستر إِلَّا ما يُكره.

قلنا: إنّما كان ذلك لأجل الغزو والغلظة على العدوِّ.

وإذا قلنا: إنَّ الشَّيبَ يغيَّرُ بالخضاب، فلا نُبالي على أيِّ لونٍ كان التّغيير بخِطْرِ (٢) أو بفَاغِيَةٍ (٣) سوداء أو حمراء، إنّما غيَّرَهُ أصحاب النّبيّ -عليه السّلام- بالحمرة؛ لأنّه هو الّذي عرفوه وأمكنهم في مواضعهم، وقد رُوِيَ أنّ النّبيّ -عليه السّلام- خَضَبَ بالحنَّاء (٤)، ولم يصحّ، وسيأتي بيانُه في باب خضاب الشَّعْر إنَّ شاء الله.

سؤال (٥) في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} (٦).

الجواب: قلنا: يُحتملُ أنّ يخاطب به هذه الأُمَّة، أو مَنْ شاب من زمان إبراهيم -عليه السّلام- إلى يوم القيامة.

ويحتمل أنَّه خُوطب به جميعُ الخَلق مَنْ شابَ ومن لم يَشِبْ، إِلَّا أنَّه جمع مع


(١) انظرها في القبس: ٣/ ١١٠٩ - ١١١٠.
(٢) الخِطرُ: نباتٌ يختضَبُ به. انظر لسان العرب.
(٣) هو نَوْرُ كلّ نَبْتٍ ذي رائحة طيِّبة، وهو هنا نَوْرُ الحِنَّاء خاصّة. انظر لسان العرب.
(٤) أخرجه ابن قانع في معجم الصّحابة: ٣/ ١٦٢ من حديث ناجية بن عمرو.
(٥) هذا السؤال وجوابه مقتبس من المنتقي: ٧/ ٢٣٣.
(٦) الروم: ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>