للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّعف الأخير الشَّيب؛ لأنّ مِنَ الخَلقِ مَنْ لم يَشِب، كما أنَّه لم يردّ أنّ جميعهم يضعف، بل منهم من يموت في الضّعف الأوّل، ومنهم من يموت حال القوّة قبل الضّعف الثَّاني، والله أعلمُ.

تكملة: في فضيلة إبراهيم -عليه السّلام-

وفي قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (١) والخليلُ هو الّذي قد تخلَّل فؤاده بمحبَّته، فلا يكون لأحدٍ فيها طَمَعٌ.

وقيل: إنّه - صلّى الله عليه وسلم - سألَ عن ذلك، فقيل له: لِمَ اتّخذَكَ الله خليلًا؟ فقال: لأنّي لم أتّهمه بما تكفّل لي به، وما خُيِّرْتُ بين شيئين إِلَّا اخترتُ ما للهِ فيه رِضا، ولا تغدّبتُ ولا تعشيّتُ إِلَّا مع ضيفٍ.

وقيل: إنّه سأل ربّه، لم اتّخَذتَنِي خليلًا؟ فقال: لثلاثة أشياء: لقيامك بين يَدَيَّ آناء اللّيل والنّهار، ولأنك لا تغفل عنّي على كلّ حال، ولذكرك إيّاي في كلّ وقت.

وقيل: اتّخذه خليلًا لأنّه سلّم ماله للضّيفان، وولده للقُربان، ونفسه للنّيران، وقلبه للرحمن. وقيل: اتخذه خليلًا لخدمته لأضيافه، ألم تسمع إلى قوله عَزَّ وَجَلَّ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} (٢).

وقيل: اتخذه خليلًا لأنّه لم يذكر سرّه إلى غيره، فأوحى الله إليه: أنت خليلي، فانظر أنّ لا يختلج في قلبك وسرّك غيري فاقطعُ خِلَّتي عنك.

وقيل: اتّخذه خليلًا حين صيّر له الرّمل دقيقًا، فقال لسارة: من أين لكِ هذا الدّقيق؟ فقالت: من عند خليلك الحضَرِيّ، فقال لها: بل هو من عند خليلي السّماويّ.

وقيل: اتخذه خليلًا لأنّه خاف من الله تعالى، فأوحى الله إليه: هل رأيت خليلًا يخاف خليله، فقال: إذا ذكرتُ ذنوبي نسيتُ خِلَّتي.


(١) النِّساء: ١٢٥.
(٢) الذاريات: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>