للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا حواسه الخمس الّتي جعلها الله له للعبرة، فجعلها هو علاقة للشّهوة، فتصير له سبع طرق يأكل بها وبجميع سبلها.

والعارضة فيه (١): أنّ المؤمّن يأكل ليتقوَّى، والكافرُ يأكل للشَّهوة ويقصد بذلك تمتعه وملءَ بطنه، والمؤمنُ وإن اشتهى فإنّه يأكل بتَوَسُّطٍ، ويقصد التَّقَوِّيَ وإقامةَ الصُّلبِ، وتقوية الأعضاء على الطّاعة، فيكتفي بالقليل عن الكثير، ولا يقنع الكافر به كالبهيمة؛ لأنّ فعلها مسترسل على الشّهوة، خالٍ عن النّظرِ إلى مقصوده، ولا خوفٍ من عاقبته. ومع القصد يُنزِلُ اللهُ البركةَ في الطّعام للمؤمن حتّى يملأ بطنه شبعًا وأعضاءه قوّة، كما أنَّه بما يخلُق من القناعة في قلوب المؤمنين، وينزل من البركة؛ أنّ يكفي طعام الواحد الاثنين، والاثنين للثّلاثة، والأربعة للثّمانية، كما خرّجه التّرمذيّ (٢)، وصحّّحه مسلم في "كتابه" (٣).

وقد فسره بعض أهل الزّهد فقال: إنَّ السّبعة الأمعاء كناية عن الحواسّ الخمس وعن الحاجة والشّهوة، فيسمع ذكر الطّعام فيحدث له عنده شَرَهٌ، وعن الرّؤية مثله إذا رآه ممدّحًا، وعند رائحته قتارة بشمّه، وعن لمسه، وعن ذوقه، ويأكل للحاجة، ويزيد بعد ذلك للشّهوة، فيكون بعد ذلك سبعة أمعاء، وهي أسباب، فكنى عن الأسباب بالأمعاء، إِذِ المؤمّن إنّما يأكل بمعِىً واحدٍ.


(١) انظرها في عارضة الأحوذي: ٨/ ١٢ - ١٤.
(٢) في جامعه الكبير (١٨٢٠) وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
(٣) الحديث (٢٠٥٩) من حديث جابر بن عبد الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>