للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لم ينه الرّجل حين قال: إنِّي لا أروى من نَفَسٍ واحد إنَّ شرب في نَفَسٍ واحد، بل قال كلامًا معناه: فإن كنت لا ترْوَى من نَفَسٍ واحدٍ فأَبِنِ القَدَحَ عن فِيكَ، وهذا إباحة منه له للشّرب في نَفَسٍ واحدٍ.

وقد كره ابن عبّاس الشرب من نفس واحد لأنّه كذلك شرب الشيطان (١).

وفي النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - الأسوة الحَسَنَة؛ لأنّه كان يستاكُ عرضًا، ويشرب مصًّا، ويتنفّس ثلاثًا، ويقول "هذا أهنأ وأمرأ وأبرأ" (٢).

السّادسة (٣):

وأكثر الآثار إنّما جاءت بالنهي عن التَّنَفُّس في الإناء، وقد قلنا: إنَّ المعنى واحد، والنّهي عن هذا نهي أدبٍ نهي تحريم؛ لأنّ العلماء قد أجمعوا أنّ من تنفَّس في الإناء أو نفخ فيه لم يحرم عليه بذلك طعامه ولا شرابه، ولكنّه مُسيءٌ على فعله إذا كان عالمًا بالنَّهيِ. وكان داود يقول: إنَّ النَّهي عن هذا كلّه وما كان مثله نهي تحريم، وهو قولُ أهل الظّاهر، لا يجوز عند واحدٍ منهم أنّ يشرب من ثُلْمَةِ القَدَحِ، ولا أنّ يتنفّس في الإناء، ومن فعل شيئًا من ذلك كان عاصيًا لله عندهم إذا كان بالنّهي عالمًا.

السابعة (٤):

واختلف العلماء في المعنى الّذي من أجله ورد النّهي عن التّنفُّس في الإناء.


(١) أسنده الإمام ابن عبد البرّ في التمهيد: ١/ ٣٩٣ وقال عقبه: "وإبراهيم بن أبي حبيبة ضعيف لا يحتج به، ولو صح وإن المصير إلى المُسْنَد أَوْلى من قول الصّاحب".
(٢) ذكر ابن عبد البرّ في التمهيد: ١/ ٣٩٤ - ٣٩٥ أنّ أبا جعفر العقيلي أخرج هذا الحديث بالسند المتصل عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيَّب عن بهز، قال: كان النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ... الحديث. وعقب ابن عبد البرّ على هذا الحديث ونحوه بقوله: "هذان الحديثان: حديث بهز وحديث ربيعة ابن أكثم ليس لإسنادهما عن سعيد أصلٌ، وليسا بصحيحين من جهة الإسناد عندهم. وقد جاء عن جماعة من السّلف إجازة الشرب في نفَسٍ واحدٍ كما قال مالك رحمه الله".
قلنا: والحديث أخرجه أيضًا البيهقي: ١/ ٤٠، والطبراني في الكبير (٢١٤٢)، وقال الهيثمي في المجمع: ٥/ ٨٠ "رواه الطبراني بإسنادين، وشيخه في أحدهما أبو معاوية الضرير ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
(٣) هذه الفائدةُ مقتبسة من التمهيد: ١/ ٣٩٧.
(٤) هذه المسألة مقتبسة من التمهيد: ١/ ٣٩٧ - ٣٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>