للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحجّةُ في ذلك: إنكار أبي طلحة الصّوت واستبانته بالسّماع لا بالرّؤية، والله أعلم.

الثّانية (١):

وفيه: ما كان عليه رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وأصحابه من ضيقِ الحال، وأنّه كان يجوع حتّى يبلغ منه الجهد إلى ضعف الصوت وهو غير صائم.

وفيه دليل أنّ الأنبياء عليهم السّلام تبتلَى بالجوع والآلام ليعْظُم ثوابهم وترفع درجاتهم، بما زَوَى عنهم من الدُّنيا ولَحِقَهُم فيها من الجوع والشِّدّة.

الثّالثة (٢):

فيه غاية الصّبر، وذلك أنّه لم يخبر بما يجده من ذلك أحدًا، وإن كان قد بلغ منه الجهد ما ضعفَ به صوته.

وقد رُوِيَ أنّ أبا هريرة مرَّ بقومٍ بين أيديهم شاة مصلّية فدعوه، فأَبَى أنّ يأكل منها، وقال: خرج رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - من الدُّنيا ولم يشبع من خُبزِ الشّعير (٣).

وهذا يقتضي أنَّه لم يشبع من أقلِّ الأقوات وهو الشّعير.

ويحتمل أنّ يريد به أنّه لم يوجد منه شبع في يوم من الأيّام، وأنّه كان في وقت الغِنَى واليَسَارِ لا يشبع، بل يقتصر على ما دون الشبع وُيؤْثر ممّا كان يبلِّغُه الشَّبع لو تناوله.

ويحتمل أنّ يريد بذلك أنّه لم يكن يشبع منه في الجملة، وإن كان قد وُجدَ منه الشّبع في بعض الأيَّام، ولذلك يقال: فلانٌ جائعٌ، إذا وُصِفَ بذلك غالب أمره.

الرّابعة (٤):

وفيه: أنّ الطّعام الرّفيع عندهم في وقت الاحتفال والدّعوة، وأنّ خبز الشعير كان عندهم من رفيع الطّعام الّذي يتهادى به ويُدْعَى له الجِلَّة والفضلاء؛ لأنّ أكثر طعامهم كان


(١) القسم الأوّل من هذه الفائدةُ مقتبس من التمهيد: ١/ ٢٩٠، أمّا القسم الثّاني فهو مقتبس من المنتقى: ٧/ ٢٣٩.
(٢) هذه الفائدةُ مقتبسة من المنتقي: ٧/ ٢٣٩.
(٣) أخرجه البخاريّ (٥٤١٤).
(٤) مضمرن هذه الفائدةُ مقتبس من التمهيد: ١/ ٢٩٠، والاستذكار: ٢٦/ ٢٨٩ - ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>