للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثّالثة (١):

وقد استدلَّ بعض علمائنا بحديثِ أبي هريرة وفعل أبي عُبَيْدَةَ في الأمر بإخراج الأزواد وجمعها، والمواساةِ على التّساوِي فيها، فإنّه جائزٌ للإمام عند قلَّةِ الطّعام وارتفاع السِّعْر وعدم القُوتِ، أنّ يأمر مَنْ عنده طعامٌ يفضلُ عن قُوتِهِ بإخراجه للبيعِ، ورأى أنّ إجبارَهُ على ذلك من الواجب، لما فيه من ترميقِ النَّاس وصلاح حالهم، وإحيائهم والإبقاء عليهم.

وقد كان عمر يجعل مع أهل كلِّ بيتٍ مثل عددهم عام الرَّمَادَةِ، ويقول: لن يهلك امْرُؤٌ عن نصف قُوتِهِ.

وهذا كلُّه في معنى الأزواد الّتي أتتِ السُّنَّة به، لما فيه من مصلحة العامّةِ وإدخالِ الرِّفْقِ عليهم، وقد قال مالك: لا يجوز احتكارُ الطّعامِ في سواحل المسلمين؛ لأنّ ذلك يضرُّ بهم ويزيد في غلاء سعرهم.

الرّابعة (٢):

احتجّ بعضُ علمائنا بحديث أبي عُبَيْدَة في جواز أكل الصّيد إذا أَنْتَنَ، وكذلك كلُّ ما ذُكِّيَ؛ لأنّه معلومٌ أنّ الحوتَ والمَيْتَةَ كلّها إذا بقيت أيّامًا نَتِنَتْ، وقد أكل أبو عُبَيْدَةَ وأصحابُه من ذلك الحوت ثماني عشرة ليلة، فلا شكّ أنّهم كانوا يأكلونه بعد أنّ نَتِنَ، والمُذَكَّى لا يضُرُّه نَتْنُهُ من جهة الحرام وإن كُرِهَ لرائحته.

وقال جماعةٌ من أهلِ العِلْمِ: لا يأكلُ إذا أَنتن؛ لأنّه حينئذٍ من الخبائث، ورجسٌ من الأرجاسِ وإن كان مُذَكَّى، لما فيه من الضَّرَرِ.

واحتجّوا بحديث أبي ثَعْلَبَةَ، قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "كُلُوا الصّيدَ وإن وَجَدْتُموهُ بعد ثلاثٍ ما لم يُنْتِن" (٣).


(١) هذه المسألة مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ٣١٣ - ٣١٤.
(٢) هذه المسألة مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ٣١٥ - ٣١٦.
(٣) أخرجه بهذا اللّفظ ابن عبد البرّ في التمهيد: ٢٢/ ١٤، وأصله عند أحمد: ٤/ ١٩٤، ومسلم (١٩٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>