شاء لقَطَعَ الرّوابطَ وخَلَقَ الكلَّ ابتداءَ. وإنّما نَظمَ هذا ليُنَبِّهَ الغافلينَ على ذلك، فيقال: إنَّ الله هو الفاعلُ لكلِّ شيءٍ، وأجْرَى العادةَ بكذا. وقد يفهَمُ الخَلْق حكمةَ الله في جَرْيِ الأسباب (١).
وهذا كلّه يردُّ على الفلاسفةِ حيثُ ذهبوا إلى أنّ ما يُصيبُ المَعِينَ من جهة العائن، إنّما هو صَادرٌ عن تأثير النَّفْسِ بقُوِّتِها فيه، فأوّلُ ما تُؤثّرُ في نفسها، ثمّ تقوى فتؤثّر في غيرِها.
وقيل: إنّما هو سُمٌّ في عينِ العائنِ يصيبُ لفحه المَعِين عند التّحديق إليه، كما يصيبُ لفح سُمّ الأفاعي من تتّصلُ به.
وقالوا أيضًا: إنَّ تأثيرَ الأشياءِ بعضها في بعضٍ يفترق إلى أربعة أوصاف:
١ - منها: تأثيرُ الأجسامِ في الأجسامِ، كالمغْنَطِيس في الحديد.
٢ - ومنها: تأثيرُ الأَنْفُسِ في الأَنْفُسِ، كالسِّحرِ والرُّقية.
٣ - ومنها: تأثيرُ الأَنْفُسِ في الأجسامِ، كالعينِ والرّقية.
٤ - وإنّ هذه كلّها عوارض تُؤثِّر.
وقد أبطلنا قولهم بثلاثة أمور:
الأوّل: ما ثبت أنّه لا خالِقَ إلّا الله.
الثّاني: إبطالُ التَّوَلُّدِ، إذ يقولون: إنّه يتولَّدُ من كذا وكذا، وليس يَتَولَّدُ شيءٌ من شيءٍ، بل المُوَلد والمتولّد عنه كلُّ ذلك صادرٌ عنِ القُدْرَة دون واسطةٍ.
الثّالث: أنّه لا يصيبه من كلِّ عينٍ ولا من كلّ متكلّمٍ، ولو كان برسم التَّولُّد لكانت عادة مستمرّة، ولثبتت في كلِّ الأحوال.
(١) تتمّة العبارة كما في القبس: "الأسباب والمسببات، وتلك نعمةٌ منه تنشرحُ بها الصُّدُور، وقد تَقصُرُ معرفتُهم عنها فيجب، التّسليم لها".