للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الّذين يقولون: إنّها قوّةٌ سُمّيّة كقّوة سُمِّ الأفاعي، فإنّها طائفةٌ جهلية، وقد وقعت في عَمِيَّة، لا على عقلٍ حصلت، ولا في الشّريعة دخلت، ولا بالطِّبِّ قالت، وهل سُمُّ الأفعى إلّا جزء منها! فكلُّها قاتلٌ، والعائنُ ليس شيءٌ يقتلُ منه في قولهم إلّا نَظَرُهُ، وهو معنى خارج عن هذا كلّه.

والحقيقة والحقّ فيه: أنّ الله سبحانه يخلُق عند نَظَر المُعاين إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألمٍ أو هَلكةٍ، وكما لا يخلقه بإعجابه وبقوله فيه، فقد يخلقه ثمّ يصرفه دون سببٍ، وقد يصرفه قبل وقوعه بالاستعاذة، فقد كان النّبىُّ - صلّى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحُسَيْن بما كان أبوه يُعَوِّذُ به ابنَيْه إسماعيل وإسحاق: "أعوذ بكلماتِ الله التامّة، من كلِّ شيطانٍ وهَامّة، ومن كلِّ عينٍ لَامّة" (١).

وقد يصرفه بعدَ وُقوعِه بالاغتسال؛ فإنّه أَمَرَ - صلّى الله عليه وسلم - بالغُسْلِ، وأَمَرَ الّذي يُسأل الغسل أنّ يُجيبَ إليه، كما تقدّم في قوله: "وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ" (٢) أي: سُئِلْتُم الغسل فأجيبوا إليه.

مسألة (٣):

واختلف النَّاس في العائن، هل يُجبَر على الوضوء للمعيون أم لا؟ واحتجّ من قال بالجَبْرِ بقوله في "الموطَّأ" (٤):"توضَّأ له"، وبقوله في "مسلم" (٥): "وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا".

وهذا أمرٌ يُحمَلُ على الوُجُوبِ، ويَبْعُدُ الخلافُ فيه إذا خُشِيَ على المعيون الهلاك، وكان وضوء العائن ممّا جرتِ العادةُ به بالبُرْءِ به، أو كان الشّرع أخبر به خبرًا


(١) أخرجه البخاريّ (٣٣٧١) من حديث عبد الله بن عبّاس.
(٢) أخرجه مسلم (٢١٨٨).
(٣) وهي المسألة الأولى، وهي مقتبسة من المعلم بفوائد مسلم: ٣/ ٩٢.
(٤) الحديث (٢٧٠٧) رواية يحيى.
(٥) الحديث (٢١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>