للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول أيضًا: إنَّ الأطبّاء مجتمعون على أنّ غسل المحموم بالماء البارد خَطَرٌ وقربٌ من الهلاك؛ لأنّه يجمعُ المَسَامَّ، ويَحْقِنُ البُخارَ المتَحلِّلَ، ويعكسُ الحرارةَ لداخل الجِسْمِ، فيكون ذلك سببًا للتَّلَفِ.

وقال: إنَّ الأطبّاء ينكرون مداواة ذات الجَنْبِ بالقسط؛ لما فيه من شدّة الحرارة والحَرَافَة (١)، ويرون ذلك خطرًا.

قلت له: هذا الّذي قُلْتَ جهلٌ وضلالةٌ، وهُمْ فيها كما قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} (٢).

تبيين (٣):

قال الإمام: ونحن نبدأ بقوله في الحديث الأوّل: "لكلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أصِيبَ دَوَاء الدَّاء بَرِئَ بإذْنِ اللهِ" (٤).

قلنا: وهذا تنبيهٌ منه حَسَنٌ، وذلك أنّه قد علم أنّ الأطبّاءَ يقولون: إنَّ المرضَ خروجُ الجِسْمِ عن الاعتدالِ، وعن القانونِ، والمداواةُ ردّه إليه، وحِفْظُ الصِّحَّة بقاؤُه عليه، فحفْظُها يكونُ بإصلاحِ الأغذيةِ وغيرِها، ويكونُ بالمُوَافِقِ من الأدويةِ المُضَادّة للمَرَضِ، وبقراط يقول: الأشياء تُدَاوَى بأضدادها، ولكن تدقُّ وتغمضُ حقيقة طَبْعِ المرضِ وحقيقة طَبْعِ العَقَّارِ والدّواء المرَكُّبِ، فتقلُّ الثِّقة بالمُضَادَّة الّتي هي الشِّفاء، ومن


= نظرًا صحيحًا لَعَلِمَ على القطع أنّه يستحيل عليه الكذب والخُلْف، ومن حصل له هذا العلم فحقُّه شرعًا وعقلًا إذا وجد من كلامه ما يقصر عن إدراكه أنّ يعلم أنّ ذلك القول حقٌّ في نفسه، وأن يضيف القصور إلى نفسه، فإن أرشده هذا الصادقُ إلى فعل ذلك الشيء على وجهٍ، فسيعمله على الوجه الذّي عيّنه، وفي المحلِّ الّذي أمره بعقد نيّة وحسن طويّة، فإنّه يرى منفعته ويدرك بَرَكَتَه، كما قد اتَّفَقَ لصاحب هذا العسل. وإن لم يعيَّن له كيفيةً ولا وجهًا، فسبيل العاقل إلّا يقدم على استعمال شيءٍ حتّى يعرف كيفية العمل به، فليبحث عن وجه العمل اللاّئق بذلك الدّواء، فإذا انكشف له ذلك فهو الّذي أراده الصادق".
(١) الحرافة: حِدِّةٌ في الطّعم تحرق اللِّسان والفم.
(٢) يونس: ٣٨.
(٣) هذا التبيين مقتبس من المعلم بفوائد مسلم: ٣/ ٩٨ - ١٠٠.
(٤) أخرجه مسلم (٢٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>