للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هاهنا يقع الخطأ من الطّبيب، فقد يظن أنّ علّته عن مادّة حارّة، وتكون من غير مادّةٍ أصلًا، أو عن مادّةٍ جارية باردة، أو حارّة دون الحرارة الّتي قَدَّرَ، فلا يكون الشِّفاء. وكأنّه - صلّى الله عليه وسلم - تلافَى بآخر كلامه ما قد يعارض به أوّله، بأن يقال: فأيُّ فائدةٍ للّذي قلت: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ" ونحن نجدُ كثيرًا من المرضَى يداوون فَلَا يَبْرَؤُون؟ فنبّه بذلك لفَقْد العلم بحقيقة المداواة لا لفقد الدّواء. وهذا تنبيهٌ حسنٌ في الحديث، وما قلناه واضحٌ حقٌ، نظمه الشّعراء فقالوا:

والنّاسُ يَلْحَوْنَ الطّبيب وإنّما ... غَلَطُ الطّبيبِ إصابةُ المِقْدَارِ

وأمّا اعتراضهم على الحديث الثّالث، وهو قوله: "إنْ كان في شيءٍ من أدوِيَتِكُم خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ" (١).

قلنا: إنَّ هذا من، البديع عند من علم صَنْعَة الطِّبِّ، وذلك أنّ سائر الأمراض الامتلائيّة إنّما تكون دمويّة أو صفراوية، أو سوداوية، أو بلغميّة. فإن كانت دمويّة، فشفاؤها إخراج الدَّمِ، وإن كانت من الثّلاثة الأقسام الباقية، فشفاؤها بالإسهال، بالمُسْهِل الّذي يليق بكلِّ خِلْطٍ منها؛ فكأنّه - صلّى الله عليه وسلم - نَبَّهَ بالعَسَلِ على المسهلات، وبالحجامة على الفَصدِ، ووضع العلّق وغيرها ممّا في معناه. وقد قال بعض النَّاس بأنّ الفصد قد يدخل في قوله: "شَرْطَة محجم".


(١) أخرجه البخاريّ (٥٦٨٣)، ومسلم (٢٢٠٥) عن جابر بن عبد الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>