للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا أعيا الدّواء فآخر الطِّبِّ الكَىُّ، فَذكَرَهُ - صلّى الله عليه وسلم - لأنّه يستعمل عند غَلَبَةِ الطّبائع لقوى الأدوية، وحيث لا ينفع الدّواءُ المشروب، فيجب أنّ يتأَمّل ما في كلامه - صلّى الله عليه وسلم - من الإشارات.

وتعقّبه بقوله: "أُحِبُّ أنّ أَكْتَوِي" إشارةٌ منه إلى تأخُّرِ العلّاجِ به حتّى تدفع الضّرورة إليه، ولا يوجد الشِّفَاءُ إلّا فيه، لما فيه من تعجيل الألم الشّديد في دفع ألمٍ قد يكون أضعفَ وأخفَّ من آلامِ الكَىِّ.

وأمّا اعتراضهم على الحديث الرّابع في الحُمَّى في قوله: "أبْرِدُوها بالْمَاءِ" (١) فإنّهم قالوا عن النّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم - ما لم يقل؛ فإنّه قال: "أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ" ولم يُبيِّن الصّفة والحالة، فَمِنْ أين لهم أنّه أراد الانغماسَ؟ والأطباءُ يسلِّمون أنّ الحُمَّى الصّفراوية تدْبُرُ من صاحبها بسَقْيِ الماء البارد الشّديد البرد، نعم، ويسقونه الثّلج، ويغسلون أطرافه بالماء البارد (٢).

وقد قال أشياخنا (٣): إنَّ الحُمِّيات على قِسمين:

١ - فمنها ما يكون عن خلط باردٍ.

٢ - ومنها ما يكون عن حارّ، وفيه ينفع الماء، وهي حمِّيات الحجاز، وعليها خرج كلام النّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم - وفعلِهِ حين قال: "صُبُّوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ"، (٤) فتبرَّدَ وخَفَّ حالُّه، وذلك في أطراف البدن وهو أنفع له.

وإنّ بعض الجهّال (٥) أصابته حُمَّى، فاغْتَسَلَ بالماء، فزادَهُ ذلك شِدَّةً، فقال كلامًا


(١) أخرجه البخاريّ (٥٧٢٤)، ومسلم (٢٢١١) عن أسماء رضي الله عنها.
(٢) إلى هنا ينتهي النقل من المعلم بفوائد مسلم: ٣/ ١٠٠، وتتمة الكلام فيه: "فغير بعيد أنّ يكون - صلّى الله عليه وسلم - أراد هذا النوع من الحمَّى والغسل على مثل ما قالوه أو قريبًا منه".
(٣) انظر هذا القول في العارضة: ٨/ ٢٣٠.
(٤) أخرجه البخاريّ (١٩٨، ٥٧١٤) عن عائشة بلفظ: "هَرِيقُوا ... ".
(٥) انظر هذه القصّة في القبس: ٣/ ١١٣١، وعبارته فيه: "وقد أخبريني بعض علمائنا أنّ بعض النَّاس" قلنا: وأصل هذه القصة في أعلام الحديث: ٣/ ٢١٢٤، قال الخطّابي رحمه الله: "هذا ممّا قد غلِطَ فيه بعضُ من يُنْسَبُ إلى العلم، فانغمس في الماء لمّا أصابته الحُمَّى، فاحتقنت الحرارة في =

<<  <  ج: ص:  >  >>