للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلطة وتتشاءم به (١).

الأحكام والمعاني في ثلاثة مسائل.

المسألة الأولى (٢):

اختلف النَّاس فيه:

فمنهم من قال: معناه الإخبار عمّا تعتقدُهُ الجاهلية (٣).

وقيل: معناه الإخبار عن حكم الله الثّابت في الدَّار والمرأة والفرس، يكون الشُّؤمُ بها،


(١) على غير عادتنا نستسمح القارئ الكربم في إيراد بعض النّصوص الشارحة لهذا الموضوع الهام الّذي أُسِيءَ فَهمُهُ عند بعض الفئات من النَّاس، واستغلّه اعداء الدِّين للنيل من الإسلام. بقول الإمام ابن عبد البرّ في التمهيد: ٩/ ٢٨٥ "معنى هذا الحديث عندنا - والله أعلم- أنّ من تَطَيَّرَ فقد أثِمَ، واثمُهُ على نفسه في تطيُّرِهِ، لترك التوكَّل وصريح الإيمان؛ لا أنّه يكون ما تطيرَبه على نفسه في الحقيقة، لأنّه لا طِيَرَةَ حقيقةً، ولا شيءٍ إِلَّا ما شاء الله في سابق علمه. والذي أقول به في هذا الباب: تسليمُ الأمر لله عزَّ وجلَّ، وتركُ القطع على الله بالشُّؤم في شيءٍ؛ لأنّ أخبار الآحاد لا يَقطعُ على عَينهِا وإنّما توجبُ العملَ فقط. قال الله -تبارك اسمه-: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: ٥٠] وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: ٢٢]. فما قد خُطَّ في اللّوح المحفوظ لم يكن منه بُدٌّ، وليستِ البِقَاعُ ولا الأنفسُ بصانعة شيئًا من ذلك، والله أعلم، وإيَّاه أسال السلامة من الزَّلّلِ، في القولِ والعمَلِ".
ويقول محمّد الطّاهر بن عاشور في كشف المغطّى: ٣٦٨ - ٣٦٩ "كَثُرَ بين أهل الجاهلية التحدُّث بشؤم هذه الأمور الثّلاثة أكثر من غيرها، وذلك من حكم الوهم المحض [الّذي] لا حقيقة له. ولما سبق من رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -أنّ نهاهم عن توهّم الشّؤم، خاطب فريقًا رأى منهم إعادة الخوض في إثباته بما يردعهم، فجعله مشكوكًا فيه في خصوص هذه الثّلاثة الّتي يعسرُ استبدالها، كالمُنَكِّلِ لهم، مبالغة في تاديبهم، وحاشي رسول الله ان يقرّ ذلك أو ان يشكّ في تقريره. كيف وذلك يناقض صريح نهيه عن الطِّيَرَة ونفيه لوقوعها، وما الشّؤم إِلَّا فرع منها. هذا ما ظهر لي في وجه الجمع بين نفي الشؤم وبين هذا الكلام ".
(٢) انظرها في العارضة: ١٠/ ٢٦٤ - ٢٦٥.
(٣) ذكره ابن عبد البرّ في التمهيد: ٩/ ٢٩٠ من جملة الاحتمالات الواردة في شرح الحديث، قال: "وقد يحتمل أنّ يكون قول رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ... كان في أوّل الإسلام خبرًا عمّا كانت تعتقده العرب في جاهليتها على ما قالت عائشة، ثمّ نُسِخَ ذلك وأبطله القرآن والسُّنَّة".
قلنا: وحديث عائشة رواه أحمد: ٦/ ١٥٠، ٢٤٠، والطحاوي في شرح معاني الآثار: ٤/ ٣١٤، وابن عبد البرّ في النمهيد: ٩/ ٤٨٨، وأبو منصور البغدادي في استدراك أم، المؤمنين عائشة على الصّحابة (٥١) من طريق قتادة، عن أبي حسان، قال: جاء رجل إلى عائشة فقال: إنَّ ابا هريرة يقول: إنَّ الطِّيَرَة من الفرس والدار والمرأة، فغضبت عائة غضبًا شديدًا حتّى طارت منها شُقَّةٌ في السَّماء وشقة في الأرض، قالت: ما قاله، إنّما كان أهل الجاهلية يَتَطَيَّرُون من ذلك. وانظر: البيان والتحصيل: ١٧/ ٢٧٦ فقد حاول ابن رشد نفي التعارض بين الحديثين.

<<  <  ج: ص:  >  >>