للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا قول ابن عمر فيه: "مَا اسْتَطَعْتُمْ" (١) هو مطلق قولنا: "بَايَعْنَا رسولَ اللَّهِ على السَّمْعِ والطّاعةِ" وأنّ ذلك بحسب الاستطاعة، فلا يكلِّف الله نفسًا إلاّ وُسْعَها. ويقتضي أنّ المُكرَهَ لا يلزم حكمًا لخروجه عن الاستطاعة، وقد بيّن العلماء في كتب الأصول أنّ المكره مستطيعٌ من وجهٍ، وغير مستطيع من وجه، وأنّ الّذي سُلِبَ من الاستطاعة، تسلب عنه المؤاخذة بحكم الشّرع، ولا يآخذُه بما بقي له منه، فضلاً من الله ونعمةً.

وقيل: الطّاعة في المعروف هي الطّاعة لا غير، وما كان على غير ذلك لا يلزم.

الرّابعة (٢):

وأمّا مبايعةُ الإمام وطاعته إذا لم يكن أهلاً لذلك، وهل يُنَازَعُ، أو يخرج عليه أم لا؟ فمنهم من قال: يخرج عليه؛ لأنّ الّذي لزمت فيه العهدة وانعقدت عليه البيعة ألاّ ينازع الأمر أهله، فأمّا أن يترك بِيَدِ من ليس هو بأهلٍ لها، يظلمُ ويجورُ ويَعبثُ، فلا. وبهذا خرج الحسين بن عليّ رضي الله، عنه، وعبد الله بن الزُّبَيْر على يزيد، وخرج القُرَّاءُ على الحجَّاج.

ورأى بعضهم الصّبر عليه والسّكون تحت قضاء الله، حتّى يحكمَ اللَّهُ بالحقّ. وبهذا أخذ عبد الله بن عمر في ولاية يزيد، وقال: إن كان خيرًا رضينا، وإن كان جائرًا صبرنا (٣).

وقَال القُرَّاءُ للحسن بن أبي الحسن البصري حين خرجوا على الحجّاج: كن معنا:


= في الموطأ (١٢٨٧) ومن طريقه البخاري (٧١٩٩).
(١) أخرجه مالك في الموطّأ (٢٨١١) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (٨٩٥)، والقعنبي عند الجوهري (٤٨٢)، والتنيسي عند البخاري (٧٢٠٢)، وابن وهب عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار (٥٥٥).
(٢) انظرها في العارضة: ٧/ ٩٤ - ٩٥.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (٣٠٥٧٥)، وابن سعد في الطبقات: ٤/ ١٨٢، وابن أبي زمنين في أصول السنة (٢٠٦)، والداني في السنن الواردة في الفتن (١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>