للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام: وقد قَيّدنا الرّوايتين بنصب الكاف وضمِّها: "أهلكَهم" (١) و"أهلكُهم" (٢) والمعنى في هذا الحديث (٣) -والله أعلم- أنّ الرّجل يقول ذلك على وجه الاحتقار والازدراء والعُجْبِ بنفسه. وأمّا إذا قال ذلك تأسُّفًا وتحزُّنًا وتخوُّفًا عليهم لقبيح ما يرى من أعمالهم، فليس بداخلٍ في هذا الحديث.

وقال أبو الدّرداء (٤): لن يفقهَ الرّجلُ كلَّ الفقه حتّى يَمْقُتَ النَّاسَ في ذاتِ اللَّهِ، ثمّ يعودَ إلى نَفْسِهِ فيكونَ أشدَّ مقتًا لها.

وقال صالح بن خالد: إذا أَرَدْتَ أن تَعْمَلَ من الخيرِ شيئًا، فأَنْزِلِ النَّاسَ منزلةَ البقرِ، إلاّ أنّك لا تحقِرُهُم (٥).

قال الإمام: يعني أنزلهم منزلةَ من لا يُميز ولا يحصِّل ولا تحتقرهم.

وقال مسلمُ بنُ يَسَار: إذا لبستَ الثّوب، فظنَنْتَ أنّك فيه أفضل منك في غيره، فبئس الثّوب هو لك (٦).


(١) فعل ماض، أي أنّه نسبهم إلى الهلاك، لا أنهم هلكوا حقيقة.
(٢) وهي الرواية الأشهر، أي أشدهم هلاكّا لما يلحقه من الإثم في ذلك القول.
(٣) هذا المعنى مستفاد من الاستذكار: ٢٧/ ٢٠٣، يقول ابن حببب في تفسير غريب الموطأ: الورقة ١٦٥ [٢/ ١٧١]: "إنّما ذلك فيمن يقولُه إزراءَ على النّاس أنّه لم يبق أحدٌ فيه خَيْرٌ، وأما إذا قال ذلك توجُّعًا على الناس لِمَا ظهر فيهم من الشَّرِّ، ولذهاب أهل الفضل، فلا شيء عليه، كذلك أخبرني مُطَرَّفٌ عن مالكٍ".
(٤) أخرجه الأزدي في الجامع (٢٠٤٣٣)، وابن جرير في تفسيره ١/ ٦١٥ (طـ. هجر) وأبو نُعَيْم في الحلية: ١/ ٢١١ قال ابن حجر في فتح الباري (١٣/ ٣٨٣ "رجاله ثقات، إلاّ أنّه منقطع".
(٥) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد: ٢٢٩، وابن عبد البرّ في التمهيد: ٢١/ ٢٤٢، وقال عقب هذه الأقوال: "معنى هذا -والله أعلم- أي لا تلتمس من أحد فيه شيئًا غير الله، وأَخْلِص عملك له وحده، كما أنّك لو اطّلع عليك البقر وأنت تعمله لم ترج منها عليه شيئًا، فكذلك لا ترجو من الآدميين، ثمّ بيّن لك المعنى فقال: إلاّ أنّك لا تحقرهم".
(٦) أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد: ٢٤٨، والدينوري في المجالسة (٣٠٢٨)، وأبو نعيم في الحلية: ٢/ ٢٩٣ - ٢٩٤، وذكره ابن عبد البر في التمهيد: ٢١/ ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>