للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسير:

قال الماوردي (١) في قوله: {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} (٢) أي أنّ الدّنيا دار عذابٍ، عذّبَ الخَلْق فيها بالبرد والحرِّ، فليس في الدُّنيا أحدٌ إلَّا وهو يجدُ من الحرِّ والبرد كثيرًا، فأخبرَهُم البارئ أنّ ليس في الجنَّة هذا النّوع من العذاب، بل هي دار نعيم لا عذابَ فيها، فقال جلّ جلاله مُعلمًا لهم بذلك: {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} وقال بعضهم (٣): إنّ الزَّمهَرِيرَ ههنا هو القمر، ولم أَرَهُ لأحدِ من المفسِّرين، ولا حكاه أحد غير الماوردي. واستشهد (٤) على ذلك بقول الشّاعر (٥):

وليلةِ ظلامُها قدِ اعتَكَرْ ... قَطعتُها والزَّمهريرُ ما زهر

وهذا بعيدٌ جدًّا.

فإن قال قائل: أليس اللهُ تعالى قد جعلَ الشّمسَ والقمرَ في دار الدُّنيا للزّينِ والمنفعةِ، والجنَّة أَوْلَى أنّ يكون ذلك فيها؟

فأجاب بعضُ علمائنا عن ذلك بجوابين:

أحدُهما: أنّ البارىءَ جَلَّت قُدْرَتُه لم يخْلُق الجنّة إلَّا رحمةً منه ولطفًا بعباده، فشَوَّقَهُم إليها بانواع من التّزيينات والشّهَوَاتِ، فأقلُّ قليلٍ من الجنَّة خيرٌ من الدّنيا وما فيها، كما قال - صلّى الله عليه وسلم -: "لموضعُ سوط في الجنَّة خيرٌ من الدُّنيا وما فيها" (٦).


(١) لم نجد هذا الكلام بنصِّه في تفسيره المطبوع.
(٢) الإنسان: ١٣.
(٣) نسب الماوردي في النكت والعيون: ٤/ ٣٧٢ هذا القول إلى ثعلب.
(٤) أي الماوردي نقلًا عن ثعلب.
(٥) أورد هذا الرجز ابن الجوزي في زاد المسير: ٨/ ٤٣٥، والقرطبي في الجامع: برواية: "وما ظهر".
(٦) أخرجه بهذا اللفظ أحمد: ٣/ ٣٣٠ من حديث سهل بن سعد، كما أخرجه بنحوه من حديث أبي هريرة أحمد: ٢/ ٤٣٨، والدرامي (٢٨٢٣)، والترمذي (٣٠١٣) وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وابن ماجه (٤٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>