للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليعذبهم في الدُّنيا بالبرد في قُطرِهِم ذلك. وكانوا يدافعونه بالحرِّ ويستجيرون به من إذايته، بضدِّ حال أهل القطر المنزل فيه القرآن. وإنّما كان التّبليغ على هذا التّقسيم؛ لِحكمَةٍ بالغةٍ في ذلك، ليكون ذلك أَهْيَبَ في نفوسهم، وأوجعَ لسَوْطِ الخَوفِ في قلوبِهِم، وأجلبَ لفرَقِهِم وجَزَعِهِم، وأشدَّ تحريكًا لِبَوَاطِنِهِم إلى الهرب من الوعد الوارد عليهم. وهنا يتبيَّن فضل رحمته بأن جهنّم خلَقَها جلّ جلاله من سوط رحمته، ليسوق عباده بالهرب منها إلى جنَّتِه.

تتميم:

قال الشّيخُ -أيَّدهُ اللهُ-: فجملةُ الكلام في العالَمِ؛ بأنّ الدّنيا نبذةٌ من الآخرة وقطعةٌ منها، فانشرحَت بذلك فوائدُ معانِيها، وتشابهت فنونُها، وأَشكَلَت صُوَرها بشَكلٍ مشكلٍ من صفاتها، حتّى ما ينقلبَ متقلبٌ، ولا يسكنَ ساكنٌ، ولا يَتنفَّسَ متنفِّسٌ، إلَّا بينَ الجنَّةِ والنَّارِ في معنّى من معانِيها, لكن بالتزوُّج لا بالانفرادِ، وبالقِلَّة لا بالكَثرَةِ. فنَعِيمُها آيةُ نَعِيمِ ما هنالِكَ، وشِفَاؤُها آيةُ شِفَاءِ ما هنالِكَ، قليلٌ بقليلٍ، وكثيرٌ بكثير.

تكملةٌ في سَردِ الأحاديث:

قوله (١): "إنّ النَّارَ اشتكتْ إلى ربِّها، فقالت: يَا رَبِّ! أَكَلَ بعضِي بعضًا، فأذِنَ لها بنَفَسَين في العام" الحديث. فأشدُّ ما تجدون من الحرِّ فمِنْ جهنَّم، وأشدُّ ما تجدون من البرد فَمِنَ الزَّمهَرِير (٢).

وفي حديث آخر: "فَأذِنَ لها في كلِّ عامٍ بِنَفَسَينِ، فما وجدتُم من بَردٍ أو من زَمهَرِيرٍ فَمِن نَفَسِ جَهَنَّمَ" (٣).


(١) في حديث أبي هريرة الّذي أخرجه الدارمي (٢٨٤٩)، وابن ماجه (٤٣١٩)، والترمذي (٢٥٩٢) وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
(٢) أخرجه الشّافعيّ في سننه: ١٩٣، والبيهقي: ١/ ٤٣٧.
(٣) أخرجه مسلم (٦١٧) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>