للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه على مقصد:

فإن قيل: وهل في النّار بَرْدٌ؟

قلنا: هي دارُ عذابٍ، وعذابُ الأبدانِ ابتلاؤُها بما لا يلائمُها، والحَرُّ عند الإفراط يمزقُ الجِلدَ كما يُمَزِّقُهُ البردُ، ولهذا سَمَّتِ الأطبّاءُ نَبَاتًا يَقطَعُ اللَّحْمَ: النّارَ البارِدَ، وعَبَّرَ عن نَوْعَيِ العذابِ بأَحَدِهِمَا كما تفعَلُه العربُ.

وقال بعضُهم: لا ينكرُ أنّ يكونَ في جهنَّمَ بردٌ وحرٌ مجتمعانِ، فإنّ الله قد ذَكَرَ في القرآنِ ما يؤيِّدُ هذا، ألا ترى قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} الآية (١)، وقوله: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ} (٢) فدلَّ بذلك أنَّ في جهنّم النّبات والحيوان، والحرّ والبرد. وقوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} الآية (٣).

نكتَةٌ:

قال بعضُ العلماء الباطنيّة: ولمّا كان نزولُ "الإنجيل" وحلولُ "التّوراة" بموضعِ من الأرض الغالب على ذلك القطر هو الحرّ، كان الغالبُ في الإنذارِ هنالكَ التّهدّد بالنّار والسَّعِيرِ وتوابع ذلك؛ لأنّه أعقل لذلك الخطاب وأفهم، لكثرة تعذيبهم بالحرِّ ومقاساتهم حرّ سَمُومِهَا. وإنّما يدافعون ذلك بالبردِ وإراقةِ المياهِ، حتّى ظهرَ ذلك في أدعيتهِم، فقالوا: أَقَرَّ الله عينك، وبَرَّدَ ضريحَك، وأَثْلَجَ بِبَرَدِ اليقينِ صدرَك، وسَقَى معهدك ماء الغوادي وسحاب المُزن، ونحو هذا.

وقد جاء في الكتاب الّذي يذكر أنّه "الإنجيل": مُكَرّرًا: "اقذفوا بهذا العبد السُّوء في الظُّلمات السُّفْلَى حيثُ يطولُ العويلُ وقلقلة الأضراس" (٤) وهذه عبارة عن البرد، وإنّما ذلك لأجل ذلك القطر الّذي سكن أولئك الّذين بعثَ اللهُ إليهم عيسى -عليه السّلام-


(١) الغاشبة: ٦.
(٢) الدخان: ٤٣ - ٤٤.
(٣) النبأ: ٢٤
(٤) أقرب عبارة إلى ما أورده المؤلِّف هي ما جاء في العهد الجديد، إنجيل يسوع للقدِّيس!! متى: صفحة ٨٧، الفصل٢٥، الفقرة ٣٠ (ط. الكاثوليكية) "وذلك العبد الّذي لا خير فيه، أَلقُوهُ في الظُّلمة البرّانية، فهناك البكاءُ وصريفُ الأسنان".

<<  <  ج: ص:  >  >>