للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نكتة أصولية:

قال الشّيخ -أيَّدَهُ اللهُ-: ولأجل هذه المعاني قُدِّمت في الوضوء.

فإن قيل: قدّمت المضمضةُ والاستنشاقُ في الوضوء على غسل الوجه والذَّراعين وهي سنّة، والفرضُ أبدًا مقدَّمٌ على السُّنَّة في جُلِّ العبادات؟

الجواب - قلنا: تقدَّمَ ذلك لفائدتين: أحدها الاختبار. والثّانية: الطّعم.

وأيضًا: فإنّ على الإنسان أنّ يقدِّم الاختبار على النّية، أعني بالاختبار اختبار الماء، كان حكمه أنّ يختبر بالفم، وهي المضمضة، ليتَوصَّل إلى طعمه بعد نَظَرِه بعينه إلى لونه ثم رائحته، وذلك هو الاستنشاق، فأفاد ذلك فائدتين: إحداهما: الاختبار، والأخرى: تخصيصها بالعضو المذكور.

وأما ما رُوِيَ عنه أنّه تمضمض واستنشق من غَرْفَةٍ واحدةٍ (١)، فذلك كما بيّنّاهُ، فيختلف بسبب اختلاف كثرة الماء وقلَّته، وحاجة العضو إلى النّظافة واستغنائه إلى التّعديد فيها.

وأمّا قوله (٢): "منِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِر" فإنّه يعني بذلك حجرًا واحدًا أو ثلاثة أو خمسة، ولا يكون ذلك شفعًا؛ فإنَّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يُحِبُّ الوِترَ في أفعاله كلِّها (٣).

وقد رَوَى مسلم (٤): "الاستجمارُ تَوِّ، والطوافُ تَوٍّ" يعني وِتْرًا، فهو معنى قوله: "فَلْيُوتِر".

نكتةٌ لغوية:

قال: والاستجمار في لغة العرب هو إزالة النَّجْوِ من الْمَخرَجِ بالجمار، والجمار عندهم الحجارة الصِّغار.


(١) أخرجه ابن ماجه (٤٠٣)، والنسائي في الكبرى (٩٢): وقال يحيى في موطئه (٣٥):"سمعتُ مالكًا يقول في الرَّجُل يتمضمضُ ويستنثرُ من غَرْفَةٍ واحدةٍ: إنّه لا بأسَ بذلكَ".
(٢) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث الموطَّأ (٣٤) رواية يحيي.
(٣) أخرجه البخاري (١٩١)، ومسلم (٢٣٥) من حديث عبد الله بن زيد.
(٤) في صحيحه (١٣٠٠) من حديث جابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>