وهي مسألة قد تنازع العلماء فيها، والّذي عندي أنّهما شيء واحدٌ، وقد بيَّنَّا ذلك في "الكتاب الكبير".
الفائدة الرّابعة:
فيه تكفير الخطايا بالوُضوءِ، وأن أعمال البرّ تكفَّر الذّنوب بها، كما أخبر عليه السّلام أنّ الذنوب تقطر مع قَطْرِ الماء، والذنوب ليست لها أشخاصٌ وأعلامٌ ظاهرةٌ يرى سقطها، فثبت أنّ الغسل لهذه الأعضاء في الوضوء إنّما هو من دَنَسٍ باطنٍ، لا من دَنَسٍ ظاهرٍ للعيون في وقت الغسل، ولا يعلم ذلك؛ لأنّ الأمر بغسل الدّنس. الظّاهر من هذه الأعضاء ومن سائر الجسد، فلمّا خصّت هذه الأعضاء بالذِّكر، عُلِمَ أنّه لم يرد به غسل الدَّنَس الظَّاهر، وإنّما المراد به غسل هذه الجوارح ممّا اجترحت من الخطايا والذّنوب بالتوبة الصّادقة النّافية لها عن مكانها، المزعجة لها عن أوطانها، ولا يُخرِجُ سَاكِنَ الدّار عن داره إلَّا من هو من أقوى منه، فهذا طهر القلب ظهرت طهارته على الجوارح، وإذا تدنَّسَ ظهر تدنيسه عليها، وطهارة القلب لا تكون إلّا بالتّوبة الصّادقة، وَجَدَّ الإصرار، ودوام الحزن والانكسار.
تنببه على مقصد:
قولُه:"خرجتْ كلُّ خطيئةٍ نَظر إليها مع الماءِ، أو مع آخِر قَطرِ الماء، حتَّى يخرُجَ نَقِيًّا من الذُّنُوبِ".
قال الإمام: وإنّما هذا في الصّغائر دون الكبائر؛ لأنّ الله يقول:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الآية (١)، فجعل اجتناب الكبائر شرطًا في غفران ما دونها.
إيضاح مشكل:
واعلم أنّ كلَّ منِ اعتقدَ أنّ خطاياه وذنوبه كلّها تسقط مع وضوئه، فهو فاسدُ السَّريرةِ، مُصِرٌّ على كلّ كبيرة، فإن كان جاهلًا فينبغي أنّ يتعلّم، ويتوب إلى الله من جهله. وإن كان عالمًا، فإنّما هو للنّاس فتنة وبلاءٌ وسَخَطٌ، وأنا أبرأُ إلى الله تعالى منه، ونسأله التّوبة من فضله وطَوْلِه.