للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنّ مدار الأعمال إنّما هو على القلب، وأنّ تحقُّقَ النّجاسة والطّهور والعمى والبصائر إنّما هو في القلب، كما قال بعض الحكماء: القصدُ بالقلوب أبلغ من حركات الجوارح.

وقال حاتم الأَصَمّ (١): النَّاس متشاغلون في أداء الفرائض غُفُولًا عن قَبُولها.

حديث مالكٌ (٢)، عن إسحاقَ بن عبد الله، عن أنس؛ قال: رأيتُ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - وحانَت صلاةُ العصرِ، فالتمسَ النَّاسُ وَضُوءًا فلم يجدوه ... الحديث.

قال الإمام - رضي الله عنه -: فيه من الفوائد ثلاث:

الفائدة الأولى (٣):

فيه تسميةُ الماء وَضُوءًا، ألا ترى إلى قوله: "فَاُتِيَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - بوضوءٍ في إناءٍ" والوَضوء بالفتح: الماء، وبالضَّمِّ: المصدر، مثل قوله: وَقُود وَوُقُود، والعرب تُسَمِّى الشَّيءَ باسم ما قَرُبَ منه.

الفائدة الثّانية (٤):

فيه إباحةُ الوضوء للجماعة من إناءٍ واحدٍ يغترفونَ منه في حينٍ واحدٍ، ولم يراع هل أصاب أحدهم مقدار مُدِّ فما زاد من الماء، كما قال من ذهب إلى أنّ الوَضُوء بأقلّ من مُدٍّ لا يجوز، ولا الغسل بأقلّ من صاعٍ لا يجوز. وهذا يردّ عليه.

الفائدة الثّالثة (٥):

فيه الْعَلَمُ العظيم من أعلام نُبُوَّته - صلّى الله عليه وسلم - والبرهان الواضح، وهو نبعُ الماء من بَيْنِ أصابعه، وكم له - صلّى الله عليه وسلم - من مِثْل ذلك، والّذي أُعْطِيَ نبيّنا محمد - صلّى الله عليه وسلم - هو أعظم وأوضح من آيات الأنبياء


(١) من كبار علماء التربية والسلوك (ت. ٢٣٧) انظر أخباره في حلية الأولياء: ٨/ ٧٣ - ٨٤، وطبقات الصوفية للسلمي: ٩١ - ٩٧.
(٢) في الموطَّأ (٦٨) رواية بحيى.
(٣) هذه الفائدة مقتبسة من الاستذكار: ١/ ٢٥٦ (ط. القاهرة).
(٤) هذه الفائدة مقتبسة من المصدر السابق.
(٥) الفقرة الأولى من هذه الفائدة مقتبسة من الاستذكار: ١/ ٢٥٦ (ط. القاهرة).

<<  <  ج: ص:  >  >>