للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنظر الّذي اقتضى جواز المسح للمسافر من غير توقيت فُسحةٌ للمقيم؛ لأنّه قد يستغرق بشُغلِه نهاره كلّه، وقد يفوته بِنَزع الخُفَّين أمرٌ عظيمٌ، لكنّه في آخر نهاره يرجع إلى قراره وَيأوِي إلى مسكنه، فيشقّ عليه حبس الخُفَّين للصلاة عن أنّ ينزعها، فلأجل هذا قلنا: إنّ الصّحيح جواز المسح مؤقَّتًا على ما جاء في الحديث عن علي بن أبي طالب (١).

ولا يمسح عليها إلَّا إذا لبسها على الطّهارة (٢)، لقول النّبيِّ -صلّى الله عليه وسلم- في حديث المغيرة: "دَعهُمَا فإنِّي أَدخَلتهما طاهرتين" (٣).

فإنْ لبسَ خُفَّين، فليمسح على الأعلى خاصة، وقد روي أنّ المسح على أعلى الخُف وأسفله (٤)، وذلك غير لازمٍ؛ لأنّ المسحَ مبنىٌّ على التّخفيف، فلا يستوفى فيه ما كان يستوفى في الأصل.

والخفُّ هو قشر من جلدٍ مخروزٍ يكون على الرَّجل، يمكن متابعة المشي عليه (٥)، فهذا هو الّذي تتعلَّق به الرُّخصة، ويكون بَدَلًا عن الرِّجلَين، ولا يبالي لبس منهما واحدًا أو أكثر من ذلك؛ لأنّ حكم الآخر حكم الأوّل. ويعتبر في لبسهما الحاجة دون الرّفاهية، فإن لبسهما للرّفاهية، لم يَجُز المسح عليهما؛ لأنّ الرُّخصةَ موقوفة على الحاجة، تجوزُ بجوازِها وتمنعُ بعدَمِها.

تنبيه على مقصد:

فإن قيل: فما وجهُ ذِكرِ العِمَامَةِ في هذا الحديث؟

الجواب- قلنا (٦): قال الأصيلي (٧): العمامةُ في هذا الحديث من خطأ الأوزاعيِّ (٨)


(١) أخرجه مسلم (٢٧٦).
(٢) انظر التفريع: ١/ ١٩٩، والإشراف: ١/ ١٤ (ط. تونس).
(٣) أخرجه البخاريّ (٢٠٦، ٥٧٩٩)، ومسلم (٢٧٤).
(٤) ذكر عبد الوهّاب في إشرافه: ١/ ١٦ (ط. تونس) أنّ هذا هو الاختيار في المذهب.
(٥) انظر العارضة: ١/ ١٣٩، والقبس: ١/ ١٦١.
(٦) هذا الجواب مقتبس من شرح ابن بطّال: ١/ ٣٠٦ - ٣٠٧.
(٧) هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم (ت. ٣٩٢) انظر أخباره في ترتيب المدارك: ٧/ ١٣٨.
(٨) في السنخ: "أبي سلمة" وهو تصحيف، والمثبت من شرح ابن بطّال.

<<  <  ج: ص:  >  >>