للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسماعُ سليمانَ من ابن عبَّاسِ صحيحٌ أيضًا، والحديثُ ثابتٌ عند أهل العلم، وله طرقٌ شَتَّى عن عليّ، وعن المقداد، وعن عمار، كلّها صِحَاحٌ حِسَانٌ، وأحسنُها ما ذكر عبد الرزّاق (١) عن ابن جُرَيْج، قال: قلت لعطاء: أرأيتَ الْمَذيَ أكنت تمسحه مسحًا، قال: لا، المَذيُ أشدُّ من البول، يُغسَلُ غسلًا. ثمّ حدَّث بحديث عمار عن المقداد.

نكتةٌ أصوليّة:

قال الإمام الحافظ أبو عبد الله المازَرِيّ (٢): "لم يبيِّن في هذا الحديث - حديث المقداد- على أيِّ وجه وقع سؤاله؟ هل سأله سؤالًا يخصّ السّائل أو يعمّه وغيره؟ والّذي عندي أنّه لم يبيِّن على أيِّ صفةٍ أَمَرهُ عليّ أنّ يسأل له، فإن كان لم يلتفت على أيِّ وجهٍ وقعَ سؤالُه، ففيه دليلٌ على أنّه كان يرى أنّ القضايا في الأعيان تتعدَّى، وهي مسألةُ خلافٍ بين أهل الأصول؛ لأنّه لو كان يقول ما يَتَعَدَّى لأَمَرَهُ - رضي الله عنه - أنّ يبيِّنَه له، إذ قد أبيح له ما أبيح لغيره، إلَّا أنّه قد ذكر في إحدى الرِّوايات أنّ سؤالَ المقداد لرسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وقع على صفةٍ تَعُمُّ.

وفيه أيضًا: أنّ عليًّا كلَّفَ من يسأل له مع القدرة على المشافهة، فإن كان أراد أنّ يكون سؤال الرّسول - صلّى الله عليه وسلم - بحضرته فيسمع منه، وإنّما احتشم من مشافهته لكون ابنته عنده، فلا اعتراضَ في ذلك. وإن لم يرد ذلك فإنّه يقال: كيف يجزئ خبر الواحد عن الرّسول مع القدرة على القطع وسماع قوله. وهل يكون هذا كالاجتهاد مع القدرة على النَّصِّ؟ وفي الظاهر من الرِّواية المذكورة فيها أنَّه قال: "فأَرْسَلْنَا المِقْدَاد" إشارة إلى أنَّه لم يحضر مجلس السُّؤال".


(١) في مصنَّفِهِ (٥٩٧).
(٢) في المعلم بفواثد مسلم: ١/ ٢٤٧ - ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>