للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصَحَّحُوا الآثار الواردة بالأمر بالوضوء من مسِّ الذكَر، وضعَّفُوا حديثَ طَلق بن عليّ.

ومنهم من جعله منسوخًا بحديث بُسرَة (١)، واستدَلَّ على نسخِهِ بإيجاب الوضوء من مسِّه إذ ذلك من جهة الشَّرع. وقوله: "هل هو إلَّا بَضعَةٌ مِنْك" (٢) حجّةٌ عقليّة، فجازَ أنّ يُنسخَ ما في العقل بالشَّرع، ولا يصحّ أنّ يُنسخ الشَّرعُ بما في العقل.

ومن العلماء من تأوّله فقال: ليس فيه نصٌّ لإسقاط الوضوء.

ومنهم من ذهب إلى أنّ لا وضوءَ من مسِّ الذَّكَر جملةً من غير تفصيلٍ، وهم أهل العراق (٣)، وصحّحُوا حديث طلق، وضَعَّفُوا الأحاديث الواردة بالأمر بالوضوء منه (٤).

تحقيق (٥):

قال الإمام الحافظ: ولأجل هذه الاختلافات أعرض الإمامان مسلمٌ والبخاري عن حديث بُسرَة ولم يُخرِجاه، والعَجَبُ لإمامنا مالكٌ - رضي الله عنه - أنّه يرويه في كتابه وُيقَوِّيه، فتارةً يَعتَبِرُ فيه الشَّهوةَ، وتارةً يُسقِطُها (٦)، ونحن نقبلُ روايتهُ فنقولُ: الحديث الصّحيحُ أوَّلًا، ولا نقبلُ تفريعه، فنقول: ينتقض الوضوء بمسِّه بقصدٍ أو بغير قصدٍ، اتِّباعًا لظاهر الحديث، ونأخذ بمُطلَقِ الرِّواية فيه، وفروعه معلومة فلا معنى لسردها. بَيدَ أنَّ بعضَ شيوخي ذَكَرَ لي منه فَرعًا غريبًا، وهو: إذا مسِّ الخُنْثَى ذكرَهُ وفَرجَهُ انتقضَ وُضُوؤُه، فإذا مسَّ أحدَهما- وقلنا إنّ المرأة ينتقضُ وضوؤها بمسِّ فرجها - فمن يغلِّب الشّكّ ينقض الوضوء، لاحتمال أنّ يكون قد لمَسَ ما يجبُ عليه منه الوضوء، ومن لا يرى تغليب الشَّكِّ -وهو صحيحٌ- لا يَنقُضُ الوضوءَ إلَّا بمسِّه لهما جميعًا.


(١) انظر ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين: ٩٧ - ١٠٠.
(٢) سبق تخريجه في الصفحة السابقة، التعليق:.١١
(٣) انظر كتاب الأصل: ا/٦٤، ومختصر اختلاف العلماء: ١/ ١٦٣.
(٤) انظر نصب الراية للزيلعي: ١/ ٦١.
(٥) انظره في القبس: ١/ ١٦٣ - ١٦٤.
(٦) يقول المؤلِّف في العارضة: ١/ ١١٤ "هذا الباب عظيم القَدْرِ في الدِّين، اختلف فيه الصّحابة والتّابعون والفقهاء إلى الآن، ورواه مالك فأتقنه وصحّحه، ثم ضعّفه في الفتوى أو أسقطه".

<<  <  ج: ص:  >  >>