للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام (١): فلا يقالُ لمن مسَّ شيئًا قد لمسه على هذا، إلَّا أن يكون معنى طلبه من حرارة أو برودة أو صلابة أو علم حقيقةٍ، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} الآية (٢)، فلا يكون المعنى المقصود من مسِّ النساء إلَّا الالتذاذ بهنّ (٣).

ولم يختلف (٤) عن ابن مسعود أنّ الملامسة ما دُونَ الجماعِ (٥).

وقد قال قوم: إنّ الملامسة هي الجماع، وهذا قد تناوله القرآن بالبيان قال الله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (٦) وهي قراءةٌ قائمة بنفسها حُجَّةٌ في تناولها (٧).

وقد روي عن جماعة من الصحابة (٨) والتابعين (٩)، وأجازه أبو حنيفة (١٠)؛ أنّ الآية كناية عن الجماع، حتّى رُوِيَ عن ابنِ عبّاس أنّه قال: إنَّ اللهَ حَيِىٌّ كريمٌ يعفّ، يكني باللَّمْسِ عن الجماع (١١).

قال الإمام: وليس إلى ذلك حاجة داعية ولا ضرورة مُوجِبَة، وإنّما يعدل عن الصَّريحِ إلى الكناية بدَليلٍ يقتضي ذلك. وأما مُطْلَقُ القول وصريحُ اللُّغة فيقتضي ما أشرنا إليه من ظاهر اللَّمسِ، وبذلك قال مالكٌ إمامنا (١٢): "قُبْلَةُ الرَّجُلِ امرَأَتُهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنَ


(١) الكلام موصول للإمام ابن رشد الجدّ.
(٢) الأنعام: ٧.
(٣) الّذي في المقدّمات: "فلما كان المعنى المقصود من مسِّ النساء الالتذاذ بهنّ، عُلِم أنّ معنى قول الله عَزَّ وَجَلَّ: " {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} هو اللمس الّذي يبتغى به اللَّذَّة دون ما سواه من المعاني".
(٤) السطر السابق مقتبس من الاستذكار: ١/ ٣١٩ (ط. القاهرة).
(٥) أخرجه عبد الرزاق (٤٩٩ - ٥٠٠) والطبراني في الكبير (٢٢٢٧) والحاكم: ١/ ١٣٥، والبيهقي: ١/ ١٢٤.
(٦) النساء: ٤٣.
(٧) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد: ٢٣٤.
(٨) منهم ابن عبّاس، رواه ابن أبي حاتم في تفسيره: (٥٠٦٧) وابن جرير في تفسيره: ٧/ ٦٤ (ط. هجر).
(٩) منهم قتادة والحسن، رواه الطّبريّ في تفسيره: ٧/ ٦٨ (ط. هجر).
(١٠) انظر كتاب الأصل: ١/ ٤٨، ومختصر الطحاوي: ١٩، ومختصر اختلاف العلماء: ١/ ١٦٢.
(١١) أخرجه بنحوه ابن أبي حاتم في تفسيره (٥٠٦٦)، والطّبريّ في تفسيره: ٧/ ٦٦ (ط. هجر)، وابن عبد البرّ في التمهيد: ٢١/ ١٧٣ - ١٧٤. وانظر فتح الباري: ٨/ ٢٧٢.
(١٢) في الموطَّأ (١٠٦) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>