للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عرفة (١): أراد تَرِبَت يداك إنّ لم تفعل ما أمرتُك (٢).

وقال ابنُ الأنباريّ (٣): معناه لِلهِ دَركَ إذا استعملت ما أمرتُك به، واتَّعَظْتَ بِعِظَتِي.

قال في "رسالة البديع": قوله: "ترِبَت يداكَ" (٤) يدلُّ على أنّه ليس بدعاءٍ، والعربُ تقولُ: لا أبَ لك، ولا أمَّ لك، يريدون بذلك: لله دَرُّكَ، ومنه قول الشّاعر (٥):

هَوَتْ أُمّهُ مَا يَبعَثُ الصُّبحَ غَادِيًا ... وَمَاذَا يُؤَدِّي اللَّيْلُ حِينَ يَؤُوبُ

فظاهرُه: أَهلَكَة اللهُ، وباطِنُه: لله دَرُّه.

ومنه الحديث (٦):"وَيلُ أمِّهِ، مسعَرَ حَربٍ" وويل أمّه وهو يريد مدحه.

وهذا (٧) القول كله من قائله فرارٌ من الدُّعاء على عائشة، وإنّما هو بمعنى استغنت، يقال أَترَبُ الرَّجُل: إذا استغنى، وتَرِبَ: إذا افتقر. وقالوا معنى قوله: "تَرِبَت" أي: افتقرت من العِلم بما سألت عنه أمّ سُلَيْم. وهذا التّأويل أَبيَن، وأحسن التّأويلات، والله أعلم. فهذا جملة أقوال العلماء الشّارحين للحديث، ولا يشذّ منها قوله إلَّا وقد قيَّدنَاهَا لكم.


(١) هو إبراهيم بن محمد الملقب بنِفْطَويه النحوي (ت. ٣٢٣) انظر أخباره في طبقات النحويين للزبيدي: ١٧٢، وتاريخ بغداد: ٧/ ٩٣ (ط. دار الغرب).
(٢) وهذا القول هو الّذي نصره المؤلِّف في العارضة: ١/ ١٨٩ حيث قال: "وأجودها قول ابن عرفة، وهو اختيار ابن السّكيت، وعليه ينبغي أنّ يُعَوِّل، فهو أسلم وأحمل". وانظر كتاب الألفاظ لابن السِّكِّيت: ١٨.
(٣) في نزهة الألباء: ٤٥١.
(٤) ذكر الهروي في الغريبين أنّ هذا من حديث خُزَيمَة، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: "أنعم صباحًا تربت يداك" وكذلك قال السيوطي في شرحه لسنن النّسائي: ١/ ١١٤.
(٥) هو كعب بن سعد الغَنَوي يرثى أخاه. كما في غريب الحديث لأبي عبيد: ٢/ ٩٥، ولسان العرب، مادّة (ت ر ب) والشاهد في تهذيب اللغة: ٦/ ٤٩٢، ١٤/ ٢٧٤، والمخصص: ١٢/ ١٨٢.
(٦) الّذي رواه البخاريّ مطولًا (٢٧٣١ - ٢٧٣٢) عن المسور بن مخرمة ومروان.
(٧) أغلب ما في هذه الفقرة مقتبس من الاستذكار: ١/ ٣٦٩ - ٣٧٠ (ط. القاهرة).

<<  <  ج: ص:  >  >>