للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي: والفرقُ بينها وبين الّتي قبلها؛ أنّ الأولى جرَّدَ فيها نية رفعِ حَدَثِ الجنابة، ثمّ قصدَ بفَرضِه النِّيابة عنِ الفضيلة، كمن دخل المسجد وصلّى الفريضة يَنوِي النِّيابة عن تحيَّةِ المسجد إنّه تجزئه، وهو معنى قول مالك في "المدونة" (١) إذا اغتسلَ لجَنَابته وجُمُعته أجزأه، وبخلافه إذا خلطهما بنيّتهٍ؛ لأنّ الفَرْضَ حصل ولو لم ينوه، وبخلافه إذا خلَطَهُما بنيةٍ واحدةٍ؛ لأنّ النيةَ لا تتبعّض، فكانت نيته غير تامّة في رفع الحَدَثِ.

قال الإمام الحافظ: والمسألةُ عندي على وجهين لا على قولين، والله أعلم.

المسألة الحادية عشر:

وهي إذا اغتسل لجُمعته ناسيًا لجنابته، فأكثرُ الرُّواة عنه: لا تصحّ، وروى ابنُ وهب وابن نافع وابن كنانة وابن الماجِشُون ومُطَرِّف وأشهب جوازه، واختاره ابن حبيب.

قال عبد الوهّاب (٢): فوجه ألَّا يجزئه؛ فلأنّ الغُسلَ ليس بشرطٍ في صِحَّة الجمعة، وكأنّه نَوى بغُسلِهِ ما ليس الغُسل شرطًا في صحَّتِه فلم يجزئه.

ووَجهُ الصِّحَّة: أنّ نيَّةَ غُسْل الجمعة تتضمّن رفع حَدَثِ الجنابة؛ لأنّه قصد الاستِنَان، وذلك لا يحصلُ إلَّا بعد أداء الفَرض، كالمصلِّي فذَّا ثم يعيدها في الجماعة طَلَبًا لكمالها وطَلَبًا لكَثرَة أَجرِها، ثمّ إنّه ذكر فساد الأُولى؛ لأنّ النّية تجزئه، نصَّ مالكٌ على هذا، وليس ذلك لأنّ نيته لهذه الصّلاة إكمال فرضها فتتضمّن أداء الفَرْض، فكذلك ما قلناه.

قال الإمام الحافظ: والفرقُ بينه وبين منِ اغتسلَ لجنابته ناسيًا لجُمعته في أنّه لا يجزئه عن جمعته؛ لأنّ نيةَ الفرضِ لا تتضمّن الفضيلة؛ لأنّه قد ثبت مع عَدَمِها، وليست كذلك نيّة الفضيلة إلَّا بعد صحة الفريضة، فبان بذلك افتراق الأمرين.

المسألة الثّانية عشر:

هي إذا تطهَّرَ ينوي إنّ كان أصابه جَنَابة، فهذا كنائمٍ ذكرَ أنّه كان جُنُبًا، ففيه روايتان كما قلنا، كمن شَكَّ في الوُضوء، فتوضّأ، ثمّ أيقن الحَدَثَ.


(١) ١/ ٣٦ في الجنب يغتسل ولا ينوي الجنابة.
(٢) في الإشراف: ١/ ١٨٥ - ١٨٦ بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>