للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: في ذلك تفصيلٌ مَذهَبِيٌّ. وبالجُملةِ، فيجب أنّ تعلموا أنّ الله تعالى مدَّ الطهارةَ -أعني طهارة الماء- إلى غاية، وهي وجود الحَدَثِ، ومد طهارة التَّيَمُّم إلى غاية، وهي وجود الماء، فإذا وُجِدَ الماءُ ارتفعَ حُكْم التيمُّم، كما إذا وُجِدَ الحَدَث ارتفع حُكم الماء.

والذي نقول: إنّ عليه أنّ يطلبَ الماء لكلِّ صلاة، فإن وَجَدَ استعملَهُ وصلّى به، فإن لم يجده يبني على التَّيمُّم الأولِ. وقد كان نصر بن إبراهيم المقدسي (١) يقول: إذا تيمَّمَ للصَّلاة فالتَّيمُّمُ قُربَةٌ مبيحةٌ للمحظور وهو فعل الصّلاة، فلا يتعدَّى باجتهادٍ، كالكفَّارةِ في الظِّهار.

فقلت له: إنّما هو للطّهارة ورفع المانع كالوضوء بالماء.

فقال لي: لو كان كالوضوء بالماء، لما لزمه الماء إذا وجدَهُ بالحَدَثِ الأوّل.

فقلت له: الكلام المتقدِّم، وهو أنّ الله تعالى مدَّ الطهارةَ بالماء إلى غاية هي وجود الحَدَث، ومدَّ طهارة التَّيمُّم إلى غاية هي وجود الماء، وجرى بيننا في ذلك كلامٌ أصله بَيِّنٌ في "كتاب نزهة النّاظر وتحفة الخاطر".

فقه (٢) وسرد مسائله:

أمر الله تعالى المسافر والمريض بالتَّيمُّم للصلاة عند عَدَمِ الماء، وأجمعَ أهلُ العِلْم على وجوب التيمْم عليها؛ لأنّ الأمر لهما بالتيمُّم مع عدم الماء نصٌّ جَلِيٌّ في الآية لا يحتمل التّأويل، وإنّما اختلفوا في الصّحيح الحاضر العادم للماء، والمريِضِ الواجِد للماء العادمِ للقُدرةِ على مَسِّهِ، هل هما من أهل التَّيمُّم أم لا؟ لِمَا أجملته الآية من التّأويل.

فَمَن حَمَلَ الآية على ظاهرها ولم يُقَدِّر فيها تقديمًا ولا تأخيرًا، رآهما من أهل التيمُّمِ؛ لأنّ شَرْطَ عَدَمِ الماء في الآية يعودُ على الحاضر. ويتأوّل إضماره في المريض والمسافر، وإضمارُ عدم القُدرة على مَسِّهِ في المريض أيضًا.


(١) من شيوخ المؤلِّف، توفي سنة ٤٩٠.
(٢) هذا الفقه مقتبس من المقدِّمات الممهدات لابن رشد: ١/ ١١١ - ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>