للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَن قَدَّرَ في الآية تقديمًا وتأخيرًا، لم يرهما من أهل التَّيمُّم؛ لأنّ شرطَ عَدَمِ الماء على التّقديم والتّأخير لا يعود إلَّا على المريض والمسافر، وكذلك إذا حُمِلَتِ الآيةُ على التّأويل الّذي ذكرناه فيما تقدَّمَ من أنّ "أو" في قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (١) بمعنى "الواو"، ولا يكونان من أهل التَّيمُّمِ، وهذا ظاهر من التّأويلين المتقدّمَين؛ لأنّ التّلاوة الّتي ذكرنا تبقى على ظاهرها دون تقديم وتأخيرٍ، ولا يُحتاج فيها إلى إضمارٍ، فينتقي حينئذ عنها الإشكال؛ لأنّ تقديرها على هذا التّأويل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} الآية كما هي إلى قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ} (٢).

الفقه في خمس عشرة مسألة:

المسألة الأولى (٣): في صفته وكيفيته وتحديده

قال اللهُ تعالى في التيميم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (٤) فأطلقَ اللهُ تبارك وتعالى الأيدي في التَّيمُّم ولم يقيدها بالحدِّ الّذي تقف عنده، حتّى بيَّنَه النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم-. فطائفةٌ أفرَطَت فَمسَحَت أَيدِيَها إلى الآباطِ (٥)، وقد رُوِيَ ذلك في الحديث (٦)، ولم يصحّ. وطائفة فَرَّطت فَمَسَحَت إلى الكُوعَين (٧)، وطائفةٌ توسّطت فَمَسَحَت إلى المرافقِ، وقالت


(١) النِّساء: ٤٣.
(٢) المائدة: ٦.
(٣) انظر الفقرة الأولى في القبس: ١/ ١٧٨ - ١٧٩.
(٤) المائدة: ٦.
(٥) يقول ابن المنذر في الأوسط: ٢/ ٤٧ "اختلف أهل العلم في كيفية التيمُّم، فقالت طائفة: يبلغ به الوجه واليدين إلى الآباط، هكذا قال الزهري"، وانظر شرح معاني الآثار: ١/ ١١١.
(٦) انظر البخاريّ (٥٩٣٣)، ومسلم (٢٥٠) من حديث أبي هريرة. قال ابن حجر في تلخيص الحبير: ١/ ٨٨ "ادّعى ابن بطّال في شرح البخاريّ وتبعه القاضي عياض [في إكمال المعلم: ٢/ ٢١٨] تفرد أبي هريرة بهذاـ، وليسى بجيّد، وقد قال به جماعة من السّلف، ومن أصحاب الشّافعيّ".
(٧) منهم ابن حبيب، كما في الإشراف: ١/ ٢٩ (ط. تونس).

<<  <  ج: ص:  >  >>