للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: عن ذلك جوابان:

أحدُهما: أنّ عمَّارًا ذكر أنّ ذلك جرى بحضرة عمر، فَرَدَّهُ عمر ولم يذكر. فتعارضَ الخَبَرَان، وصار ذلك كشَهَادَتَيْنِ متعارِضَتَيْنِ في وقت واحدٍ، فأحدهما يردُّ الآخر. فاستئذانُ عَمَّار لعمر في ذلك لأنّه الحاكم، فإن ردّها لم يفد شيئًا، ولا كان لذِكرِهَا معنى، وإنّ جوَّزها فحينئذٍ يرفعُها وينشُرُها.

الثّاني: ما قدّمناه قبلُ من أنّ الرّاوي إذا كان عنده عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - حديثٌ لم يلزمه أنّ يذكرَهُ، ولذلك كان أعيان الصّحابة وكبارهم لا يذكرون شيئًا ممّا سمعوا؛ لأنّ تبليغ الأحاديث فرضٌ على الكفايةِ.

تلفيق وتبيين:

فهذا مذهب عمر - رضي الله عنه - وكان عبدُ الله بن مسعود يقولُه ثّمّ رجع عنه، ومذهب (١) مالكٌ - رضي الله عنه - أنّ الجُنُبَ يتيمَّم بِنَصِّ القرآن؛ لأنّ الله تعالى أمرَ بالوُضُوءِ من الحَدَثِ، والغُسْلِ من الجنابة للصّلاة. ثم أمر بالتّيمُّمِ عند عَدَم الماءِ بالنَّصَّ على ذلك، وعند عَدَم القُدْرَة على استعماله بالتأويل (٢)، ولا دليل على ذلك، بل قد دلّتِ السُّنَنُ الواردةُ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه في تيمُّمِ الجُنُبِ على خلافه، وأنّ التّيمُّمَ عنده -أعني عند مالك- من الجنابة أو الحَدَثِ الّذي ينقضُ الوضوءَ سواءٌ، وأنّ فَرْضَ التَّيمُّم فيهما ضربة واحدة للوجه واليدين إلى الكُوعَين، إلَّا أنّه يستحبُّ ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليَدَيْنِ إلى المَرْفِقَين. وإن تَيَمَّمَ إلى الكُوعَين أعادَ في الوقتِ. وإن تيمَّمَ بضربةٍ واحدةٍ لوجهه ويدَيْه إلى المَرفِقَيْنِ لم يُعِد، وقد تقدَّمَ.


(١) من هنا إلى آخر هذا التلفيق والتبيين مقتبسٌ من المقدِّمات الممهدات لابن رشد: ١/ ١١٤ - ١١٥.
(٢) تتمة الكلام كلما في المقدِّمات: (فوجب أنّ يُحمَلَ ذلك على الوضوء والغسْل من الجنابة جميعًا، وأن لا يخصَّصَ في أحدهما دون الآخر إلَّا بدليل".

<<  <  ج: ص:  >  >>