للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث أبي سعيد الخدري (١): قولُه: "إِذَا كُنْتَ في غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ، فَارفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلَّاشَهِدَ لَهُ يَومَ الْقِيَامَةِ".

قال الإمام (٢): فإن قيل: وهل تعقلُ الجمادات حتّى تقول أو تسمع أو تشهد؟ بَيَّنُوا لنا هذا الإشكال؟

الجواب؛ إنا نقول: ممّا يجبُ أنّ تعلَمُوهُ من أصول الدِّين، وتعلموهُ في الفَرْقِ بين كَفَرَةِ الأطِبَّاء والمؤمنين، أنّ الكلام ليس بالهيئة، ولا العلم موقوفٌ على البنية، ولا هو مرتبطٌ بالرُّطوبة والبِلَّةِ، وإنّما البارئ سبحانه يخلُقُه متى شاء في أيِّ شيءٍ شاء من جمادٍ أو حيوان. ألَّا ترى أنّ المرءَ في حالِ نَوْمه لا يعلم ولا يتكلّم حتّى يَهَبه الله بإِذْنِهِ ويخلُق له ما يشاء من علمه، أَوَلَا ترى الطفل على الحالة الّتي أخبر في قولِهِ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (٣) كيف يعلّمه الثَّدْي، ويخلُق له العلم بالقَبْض عليه ليَمُصّه، ويلهمه إلى ازدراده، ويُعَرَّفه بقَدْرِ الحاجةِ منه، حتّى إذا انتهى إليها أَخرج الثَّدْيَ عن فِيهِ. والَّذي يخلُق هذه العلوم كلها للمولود، يخلُق ما شَاءَ منها في الجماد. وقد قال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "إنّي لأعْرفُ حَجَرًا بمَكَّةَ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَن أُبْعَثَ، يَقُولُ: السَّلامُ عليكَ يا نبىَّ الله" (٤). وَقال - صلّى الله عليه وسلم -: "لن تقومَ السَّاعةُ حتّى تُكَلَّمَ الرَّجُلَ شِرَاكُ نَعْلِهِ وَعَذَبَةُ سَوْطِهِ، وتُخْبِرَهُ بما صَنَعَ أهلُهُ من بَعْدِهِ" (٥). وقد تكلّم الثّور للرَّجُلِ حين حمل عليه فقال، لم أُخْلَقْ لهَذَا، إنَّمَا خُلِقتُ للحَرْثِ (٦) ولن تقوم السّاعة حتّى تتكلّم السِّباع والحيوانات كلّها، وتظهر الحقائق الخفيّة الّتي هي الآن معلومة عند المؤمنين، لما قدّمناه من الأدلّة. وقد قال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "العبدُ الفاجرُ يَستريحُ منه العبادُ والبلادُ، والشَّجَرُ والدَّوَابُّ" (٧) وراحَتُها منه إنّما هي بأنّ الكفَر


(١) في الموطَّأ (١٧٦) رواية يحيى.
(٢) انظر هذا الشرح في القبس:١/ ١٩١ - ١٩٢.
(٣) النحل: ٧٨.
(٤) أخرجه مسلم (٢٢٧٧) من حديث جابر بن سمرة.
(٥) أخرجه من حديث أبي سعيد الخدريّ أحمد: ٣/ ٨٣، والترمذي (٢١٨١) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب " وابن حيان (٦٤٩٤)، والحاكم: ٤/ ٦٤٧ وصحَّحَهُ، وأبو نعيم في حلية الأولياء: ٨/ ٣٧٧
(٦) أخرجه البخاريّ (٢٣٢٤)، ومسلم (٢٣٨٨) من حديث أبي هريرة.
(٧) أخرجه البخاريّ (٦٥١٢)، ومسلم (٩٥٠) من حديث أبي قتادة بن ربعيَّ الأنصاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>