للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخلص نيّتك لله، ولا تجد على قلبك شيئًا من أمور الدّنيا، وعَرِّفْنِي بأمْرِكَ. قال: ففعل الرَّجُل ذلك، فَذَكَر في صلاته مكان المال. فلمّا أصبحَ، أتى أبا حنيفة فأعْلَمَهُ بذلك، فقال له بعض جُلَسَاءِهِ: مِنْ أينَ دَلَلْتَهُ على هذا؟ فقال: استدللتُ على هذا بالحديث، وعلمتُ أنّ الشّيطان سيرضَى أنّ يُصَالِحَهُ بأن يذكِّره بموضع المال ليمنعه الإخلاص في صلاتِهِ، قال: فعجبَ النَّاسُ من حُسْنِ استدلاله (١).

حديث: قوله (٢) "سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبوابُ السَّمَاءِ".

قال الإمام (٣): في هذا الحديث دليلٌ على أنّ أبواب السّماء مُغْلَقَة، وكذلك أبواب الجَنَّة لا تُفتَح إلّا لسببٍ، من عروجِ أمرٍ أو نزولِ قضاءٍ أو ما شاء الله. والبارىء سبحانه هو الّذي يسمع الأقوال، وهو الّذي يرفع الأعمال، وهو الّذي يقبل الدُّعاء. وقد جعلَ لذلك علامات، وقرنَهُ بأسبابٍ، وخَصَّ به أَوْقَاتًا، منها حَضرَةُ (٤) الصّلاة. ومنها الاصطفاف عند القتال. فينبغي أنّ تغتنم تلك السّاعة وأمثالها، فإنّها متهيئة للقَبُولِ. وخصائصُهُ (٥) وجماعها عشرون خصلة، وثمرتها الإجابة، وكلُّ دعاء مَقْبُولٍ لقوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} الآية (٦). لكنّ الإجابة على ثلاثة اوجه:

إمّا أنّ تُقضى له حاجتهُ الَتي عَيَّنَ.

وإمّا أنّ يُعَوَّضَ خيرًا منها ممّا لم يعلم الدّاعي قَدْرها، ولو عَلِمَهُ الدّاعي لَرَضِيَ بالبَدَلِ.

وإمّا أنّ تدَّخَر له إلى الآخرة، كذلك هو نصّ الحديث عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - (٧)، {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ} الآية (٨)، وسيأتي الكلام عليه وشرحه في أبواب الدُّعاء إنّ شاء الله.


(١) أشار ابن حجر في الفتح: ٢/ ٨٦ إلى هذه الحكاية باختصار.
(٢) في الموطَّأ (١٧٨) رواية يحيي، من حديث سهل بن سعد موقوفًا.
(٣) انظر الكلام التالي في القبس: ١/ ١٩٧ - ١٩٨.
(٤) غ:"حضر".
(٥) أي خصائص الدُّعاء.
(٦) البقرة: (١٨٦).
(٧) يقصد الحديث الّذي أخرجه ابن أبي شيبة (٢٩١٧٠)، وأحمد: ٣/ ١٨، وعبد بن حمد (٩٣٧)، والبخاري في الأدب المفرد (٧١٠)، وأبو يعلى (١٠١٩)، والطبراني في الدُّعاء (٣٦)، والحاكم: ١/ ٦٧٠ (ط. عطا) وصحَّحه، والبيهقي في شعب الإيمان (١١٢٨) من حديث أبي سعيد الخدري. وذكر الهيثمي في "المجمع: ١٠/ ١٤٨ - ١٤٩ أنّ رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصّحيح.
(٨) الإسر اء: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>