للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؟ " فقام رَجُلٌ فصلَّى معه. وروى أبو داود (١) وقال: "أيُّكُمْ يتصَدَّقْ عَلَى هَذَا" والمعنى واحد؛ لأنَّ التّجارة مع الله صدقة، وربحُ هذا معناهُ محفوظٌ في الشّريعة (٢).

فإن قال قائل: لأيِّ شيءٍ لا يأخذ مالكٌ بهذه الأحاديث في إعادة الصّلاة بجماعتين في مسجدٍ واحد؟

قلنا (٣): إنمّا نظر مالكٌ - رحمه الله - إلى سَدِّ الذَّرائع، لئلّا يختلف على الإمام، وتأتي جماعة بإمامٍ آخر فيذهب حكم الجماعة. وإنّما يفعل هذا أهل الزيغ والبدع في تشتيت الجماعة على الإمام. وقال بعض علمائنا: لا يُفْعَلُ هذا إلَّا بإِذْن الإمام بأن يقول لهم: ادخلوا وصلُّوا معه، كما في حديث أبي سعيدٍ الخُدْريّ، وهو مبنيٌّ على أنَّ ذلك حقّ الإسلام أو حقّ الإمام.

تركيب (٤):

فإن كان مسجدًا ليليًّا (٥)، قال مالكٌ: تصلَّى فيه صلاة النّهار. وقد رُوِيَ عنه أنَّه لا يُصَلَّى فيه، وذلك منه سدُّ ذريعةٍ وضبطٌ للشّريعة.

حديث مالكٌ (٦)، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيَّب؟ أنّه كان يقولُ: مَنْ صلَّى بأرضِ فَلَاةٍ، صلّى عن يَمِينِهِ مَلَكٌ وعَنْ شِمالِهِ مَلَكٌ، فإن أذَّنَ وأقَامَ، صلَّى وراءَهُ من الملائكةِ أمثالُ الجبالِ.

الإسناد:

قال الإمام: هذا حديثٌ مُرْسَلٌ من مَرَاسِلِ سَعِيدٍ، أدخلَهُ فيه مالك. وفيه مسألتان من أصول الفقه: إحداهما (٧): إنَّ المراسل من الحديثِ كالمُسْنَدَةِ عندَهُ (٨)، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ لا تُقبَلُ المراسل بحالٍ (٩). وقال أصحابُه إلَّا مراسيل سعيد بن المسيَّب


(١) في سننه (٥٧٤).
(٢) تتمة الكلام كلما في العارضة: " ... عن زيغ المبتدعة، لئلّا يتخلّف عن الجماعة، ثم يأتي فيصلّي بإمام آخر، فتذهب حكمة الجماعة وسنّتها".
(٣) غ، جـ: "الجواب قلنا".
(٤) انظره في العارضة: ٢/ ٢١.
(٥) في النسخ:"مسجد ليليٌّ".
(٦) في الموطَّأ (١٩٣) رواية يحيي.
(٧) انظرها في القبس: ١/ ٢٠٦ - ٧٠٧.
(٨) انظر المقدّمة في الأصول لابن القصار: ٧١.
(٩) انظر رأي الشّافعيّ بتفاصيله في الرسالة: ٤٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>