للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول:

فإن قيل: وهلِ الملائكة مكلَّفون يصلُّون؟ فأجاب عنه علماؤنا بأجوبة: الأوّل: أنّ هذا الحديث يدلُّ على أنّ الملائكة مكلَّفون، لكن لا يعرف كيفية هذا التّكليف، ولا كيفيّة هذه الصّلاة.

فإن قيل: إنّ جبريل كان مصلَّيًا.

قلنا: بل كان متنفَّلًا، والنبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - مفترضٌ.

فإن قيل: وكيف تجوز صلاة مفترضٍ خَلْفَ متنفَّلٍ؟

قلنا: بل كان معلِّمًا مُبَيَّنَا لجميع أفعال الصّلاة، فجاز الاقتداء به، كما خرّجه النَّسائي (١) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم -: "هَذَا جِبْرِيل جاءَكُمْ يعلِّمكُم دينكم، فصلَّى الصّبح حين طلع الفجر"، وأعلمه بكيفية الأوقات.

فإن قيل: لا تكلِيفَ على مَلَكٍ في هذه الشّريعة، وإنّما هي على الجنِّ والإنْس.

قلنا: ذلك لم يعلم عَقلًا وإنّما عُلم بالشّرع، وجبريلُ مأمورٌ بالإمامة بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُؤمَر غيرُه من الملائكة بذلك، فكما خُصَّ بالإمامة جاز أنّ يُؤْمَرَ بالفَريضة. وقد رأيتُ في حديث مالكٌ من قول جبريل (٢): "بِهَذَا أمرتُ" برفع التّاء ونصيها. فأمّا رفعُ التاء فثابتٌ صحيحٌ، وهو في أمرِ جبريل صريحٌ، ولم نعلم صفة أمر الله تعالى له، وهل قال له: بَلِّغ إلى محمّد هيئة الصّلاة قولاً وفعلًا؟ وقد تقدَّمَ الكلام في صَدْرِ الكتاب على هذه المسألة بَأبْدَع بيانٍ، فلينظر هنالك، والله الموفّق للصّواب.


(١) في المجتبى: ١/ ٣٤٩ من حديث أبي هريرة.
(٢) في حديث الموطَّأ (١) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>