للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الكتاب الكبير" المعروف (١) "بالنَّيِّرَيْن" والقول الّذي يُتَصَوَّر الآن، أنّ العلماء اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال (٢):

القولُ الأوَّل: أنّ هذا الحديث إنّما كان في صدر الإسلام إِبَّانَ كانَ الكلامُ مباحًا في الصّلاة، ثمّ نسخَ ذلك تبارك وتعالى، فأمرَ بالقُنُوتِ، فصار الحديث منسوخًا لا متعلّق به، وهي رواية المَدَنِيِّينَ عن مالك.

القولُ الثّاني: أنّ هذا إنّما يكونُ فيمن سلَّم من اثنتين خاصّةً دون غيرِه، وإلى هذا صَغَى (٣) سحنونٌ.

القولُ الثّالث: أنّ معنى هذا الحديث كلّه مُسْتَرسِلٌ على الأزمانِ، عامٌ في جميع الأقوالِ والأفعالِ، وهو المشهور من قول علمائنا- رحمة الله عليهم-، وبه قال الشّافعيّ (٤) وعامّة العلماء.

وأمّا اختيارُ المدَنِيِّينَ أنّه منسوخٌ، فقولٌ باطلٌ؛ لأنّ من شروط النّسخ معرفة التاريخين، وقد جُهِلَت ههنا. ومن شروطه تضادُّ الأَمْرَيْن حتّى لا يصلح أنّ يجتمِعَا، ولا مضادَّةَ ههنا؛ لأنّ الكلام المنهىّ عنه هو النُّطقُ، وهذا كلامٌ في إصلاحِ الصَّلاةِ لا بُدَّ لها منه، ولا تتمّ دُونَه.

وأمّا اختيار سُحنونٍ، فهو عند العلماء ضعيفٌ؛ لأنّ النّبىَّ صلّى الله عليه قد جَرَى له ذلك في السَّلام من خَمْسٍ على حسب حديث ابنِ مسعودٍ، وهذا جمودٌ لَا يَليقُ بمَرتَبَتِهِ ولا بتدقيقه للفروع، والصّحيحُ أنّه جائز كما قُلنَاهُ في كلِّ مسألةٍ.

وأمّا الحديثُ الثّاني حديث عِمْرَانَ، فهو نظيرُ حديثِ ذِي اليَدَيْنِ في النُّقصانِ، والسُّؤال، والرُّجوع، والعمل في السُّجود (٥).

وأمّا حديث ابن مسعود: "فَتَوَشْوَشَ القَوْمُ" أي: اضْطَرَبُوا. وَيُرْوَى "تَوَسْوَسُوا" (٦)


= ومسانل الخلاف والفقه.
(١) م: "المشهور".
(٢) انظرها في القبس: ١/ ٢٤٧ - ٢٥١.
(٣) م: "أصغى".
(٤) في الأم: ٢/ و ٢٠.
(٥) م، غ: "والعمل إلى السجود"، جـ: "العمل والسجود" والمثبت من القبس.
(٦) في رواية ابن خزيمة (١٠٦١): "توسوس".

<<  <  ج: ص:  >  >>