للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهبت طائفةٌ إلى منع السّهو والنِّسيان والغفلات، وهم علماء (١) المُتَصوِّفة وأصحاب علم القلوب والمقاماتِ، ولهم في هذه الأحاديث مذاهبُ.

قال علماؤنا المحقِّقون (٢): إنّ النِّسيانَ والسَّهوَ في الفعل في حَقِّه -عليه السّلام- غيرُ مضادٍّ للمُعجِزة ولا قادِحٍ في التّصديق، وقد قال -عليه السّلام-: "إنّما أَنَا بشرٌ أَنْسَ كمَا تنَسَونَ، فإذا نَسِيتُ فذكِّرُوني" (٣) وقال - صلّى الله عليه وسلم -: "رَحِمَ اللهُ فُلاَنًا ذَكَّرَني كذا وكذا آية" (٤) وقال - صلّى الله عليه وسلم -: "إنِّي لأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لأسُنَّ" (٥).

وقيل: إنّ هذا اللفظ (٦) شكُّ من الرَّاوي. وقد رُوِيَ: "لا أُنْسَى ولكنْ أُنَسىَّ لأَسُنَّ" (٧).

وذهب ابنُ نَافِعٍ وعيسى (٨) بن دينار إلى أنّه ليس بِشَكٌّ، ومعناه التَّقْسِيم، أي: أَنْسَى أَنَا. أَوْ: يُنْسِيِني اللهُ.

وقال أبو الوليد الباجي (٩): "يحتمل ما قَالاَهُ أنّ يريد: أني أَنِّسَى في اليقَظَةِ، أو أنسى في النّوم، أو أنسى على سبيل عادة البَشَر من الذُّهول عن الشَّيء والسَّهْو. وأَنْسَى (١٠) مع إقبالي عليه (١١). فأضاف إحدى النِّسْيَانَين إلى نفسه (١٢)، إذ كان له


(١) في النسخ: "وهو علمًا". وفي الشفا: "وهو مذهب" ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٢) المقصود هو القاضي عياض.
(٣) أخرجه البخاريّ (٤٠١)، ومسلم (٥٧٢) من حديث عبد الله بن مسعود.
(٤) أخرجه البخاريّ (٢٦٥٥)، ومسلم (٧٨٨) من حديث عائشة.
(٥) رواه مالكٌ في الموطَّأ (٢٦٤) رواية يحيى، بلاغًا، وقد وصله ابن الصلاح في رسالته المشهورة، من وجوه كثيرة صحيحة، انظر "رسالة في وصل البلاغات الأربعة في الموطَّأ": ٢/ ٩٣١، [مطبوعة في آخر كتاب توجيه النظر لطاهر الجزائري، باعتناء أبى غدّة. مكتب المطبوعات الإِسلامية بحلب].
(٦) م: "هذه اللفظة".
(٧) وهي رواية أبي مصعب الزّهري (٤٨٩).
(٨) غ، جـ: "عبد الله" وهو تصحيف.
(٩) في المنتقى: ١/ ١٨٢ وهذا النّقل من المؤلًف هو بواسطة القاضي في الشِّفا؛ لأنّ الكلام موصول للقاضي عياض.
(١٠) في النّسخ: "واني" وهو تصحيف، والمثبت من الشِّفا والمنتقى.
(١١) أي إقباله على الأمر، وقد وردت في النّسخ: "عليها" والمثبت من الشِّفا والمنتقى.
(١٢) غ، جـ: "النسيانين إليه أو إلى نفسه"، م: "النسيانين إليه" والمثبت هو الّذي يوافق نصّ الشِّفا والمنتقى.

<<  <  ج: ص:  >  >>